المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
عنْ أَبي أَيوبِ رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ رواهُ مُسْلِمٌ.
الأقسام
حديث اليوم
عن عمرو بن عبد الرحمن ، قال : جاءت يزيد بن عبد الملك بن مروان غلة من عملته ، فجعل يصررها ، ويبعث بها إلى إخوانه ، وقال : « إني أستحيي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني ، وأبخل عنه بدينار أو درهم »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ و النسيان ، و ما استكرهوا عليه ). حديث حسن رواه ابن ماجه و البيهقي و غيرهما.
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
تاريخ: 25/4/18
عدد المشاهدات: 13489
رقم الفتوى: 675

بسم الله الرحمن الرحيم

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

 

س: هل يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لا مانع بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلب الشفاعة منه، وهذا قول المذاهب الأربعة.

وإليك نصوص أئمة وعلماء المذاهب الأربعة الذين نقلوا ما يفتى ويعمل به في المذهب:

 

أولا : مذهب الحنفية :

جاء في شرح فتح القدير ، لابن الهمام ، ( 3\169 ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1415ه \ 1995   لدى ذكره آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم  : " .. ويسأل الله تعالى حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأعظم المسائل وأهمها سؤال حسن الخاتمة والرضوان والمغفرة " .

 

ثانيا : مذهب المالكية :

جاء في الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، للعلامة أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير ، وبهامشه حاشية العلامة الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي  ، ( 2 \ 72 ) ، طبعة دار المعارف ، القاهرة ، لدى ذكره آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه : " وحين يدخل المسجد الشريف يأتي الروضة فيصلّي بها ركعتين تحية المسجد ثمّ يأتي قبالة القبر الشريف ويقول : " السلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، السلام عليك يا سيّدي يا حبيب الله ، السلام عليك يا سيدي يا أشرف رسل الله ، السلام عليك يا إمام المتقين ، السلام عليك يا رحمة للعالمين ، أشهد أنّك رسول الله بلّغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة وجليت الظلمة ونطقت بالحكمة ، صلّى الله عليك وعلى آلك وأصحابك أجمعينثمّ يتوسل بهأي بالنبي صلّى الله عليه وسلّم - في جميع مطلوباته .

ثمّ ينتقل قبالة قبر أبي بكر ويقول : " السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صديق رسول الله ، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده ، جزاك الله عن أمة محمّد خيرا رضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنة متقلبك ومثواك ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين ، ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ ينتقل قبالة قبر أمير المؤمنين عمر ويقول : " السلام عليك يا صاحب رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق ، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده ، جزاك الله عن أمة محمّد خيرا رضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنة متقلبك ومثواك ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين ، ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .

ثمّ يأتي إلى البقيع فيسلّم على أهله هكذا ويتوسل بهم إلى رسول الله فلتحفظ تلك الآداب فإنّ من فعلها مع الشوق وفراغ القلب من الأغيار بلغ كل ما يتمنى إن شاء الله تعالى " .

 

 وروي عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه أنّه قال للخليفة المنصور لما حج وزار قبر النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام وسأل مالكا قائلا: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدعو؟ فقال الإمام مالك: "ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى ؟ بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله فيك."

 

ثالثا : مذهب الشافعية :

جاء في كتاب المجموع للإمام النووي رحمه الله تعالى: قال رضي الله عنه : (.. واعلم أن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهم القربات وأنجح المساعي .. إلى أن قال: ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر ويبعد عن جدار القبر نحو أربع أذرع ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ويقف ناظرا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فيقول: السلام عليك يا رسول الله ... إلى أن قال: ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيّب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ﴿ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم انشد يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه                فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه                   فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: « يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أنّ الله قد غفر له»  ). كتاب المجموع  شرح المهذب ، للنووي ، ( 8 \ 256 – 257  ، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع  )

 

وقال الإمام تقي الدين أبو الحسن السبكي رحمه الله تعالى من أعلام الشافعية: (اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى ربه سبحانه وتعالى وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروف من فعل الأنبياء والمرسلين وسيرة السلف الصالحين والعلماء المسلمين).  انظر : كتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام الباب الثامن  ص 161.

وقال: (وأقول: إنّ التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم جائز في كل حال: قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد المبعث في عرصات القيامة والجنة) كتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام الباب الثامن  ص 161.

 

وجاء في كتاب ( الإقناع ، للشربيني ، ص 374 )  في آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم : " .... ثمّ يقف مستدبر القبلة مستقبل رأس القبر الشريف ويبعد عنه نحو أربعة أذرع ، فارغ القلب من علائق الدنيا ، ويسلّم عليه بلا رفع صوت ، وأقلّه السلام عليك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر ثمّ يتأخر قدر ذراع فيسلّم على عمر رضي الله تعالى عنهما ثمّ يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويتوسل به في حق نفسه ، ويستشفع به إلى ربه ، وإذا أراد السفر ودّع المسجد بركعتين وأتى القبر الشريف وأعاد نحو السلام الأول . " 

 

 

رابعا : مذهب الحنابلة :

جاء في كتاب الإنصاف ، للمرداوي ، الحنبلي : " يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب وقيل يستحب) وقال : (والتوسل بالإيمان به صلّى الله عليه وآله وسلّم وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحوه ممّا هو من فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعا) كتاب الإنصاف (2/456).

 

وقال الإمام أحمد للمروزي رحمهما الله تعالى : (ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه وجزم به في المستوعب وغيره).

 

وجاء في المغني ، لابن قدامة ، ( ج3 \ 600 ) في آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم : " ثمّ تأتي القبر فتولّي ظهرك وتستقبل وسطه وتقول : " السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وعبدت الله حتى أتاك اليقين ، فصلّى الله عليك كثيرا كما يحب ربنا ويرضى  ، اللهمّ اجز عنّا نبينا أفضل ما جزيت أحدا من النبيين والمرسلين وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، اللهمّ إنّك قلت وقولك الحق : " ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيما"  ( النساء ، 64 ) وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي فأسألك يا ربّ أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهمّ اجعله أول الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الآخرين والأولين ، برحمتك يا أرحم الراحمين " .

 

خامسا : رأي الشوكاني السلفي رحمه الله تعالى : وقال: (ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين) أقول: ومن التوسل بالأنبياء: وذكر قصة الأعمى ، وأما التوسل بالصالحين حديث استسقاء سيدنا عمر بسيدنا العباس رضي الله عنهما ) .  انظر :  (كتاب تحفة الذاكرين ص (37).

وينقل رضي الله عنه إجماع الصحابة على جواز التوسل ثم يقول: (وأما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه من ربه فقد قال عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعندي (أي عند الشوكاني) أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمرين: الأول: ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم والثاني: أن التوسل إلى الله تعالى بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله. "

 

سادسا : رأي الشيخ محمّد بن عبد الوهابحيث في رسالته الموجهة لأهل القصيم الاستنكار الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين ، وقال : إنّ سليمان بن سحيم افترى عليَّ أموراً لم أقلها ، ولم يأت أكثرها على بالي ، فمنهاأني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ، وأني أحرق دلائل الخيرات ، وجوابي عن هذه المسائل : أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم  ، وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى أهل المجمعة يقول فيها : إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها ، منها ما هو من البهتان الظاهر ، وهو  قوله : أني أكفر من توسل بالصالحين ، وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال ،  ثم قال : وجوابي فيها أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم .[أنظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص64] .

 

وقال في موضع آخر : " فكون بعضهم يرخص بالتوسل بالصالحين ، وبعضهم يخصه بالنبي r ، وأكثر العلماء ينهى  عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه ، فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع  عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفان وإعطاء الرغبـات ، فأيـن هـذا ممـن يدعـو الله مخلصـاً لـه الديـن لا يدعـو مـع الله أحـداً ولكـن يقـول في دعائـه : أسألـك بنبيـك أو بالمرسلين أو بعبـادك الصالحين، أو يقصـد قبراً معروفـاً أو غيـره يدعـو عنـده ، لكـن لا يدعـو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه .( انتهى من فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في     أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) .وهذا يدل على جواز التوسل عنده وغاية ما يرى أنه مكروه في رأيه ، والمكروه ليس بحرام فضلاً عن أن يكون بدعة أو شركاً  .

 

هذا وقد ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسير قوله تعالى } وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ { .. قصة العتبي مع الأعرابي الذي جاء زائراً قاصداً مستشفعاً بالنبي r ، ولم يعترض عليها بشيئ ، وكذلك الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه [الخصائص   الكبرى] فقد ذكر حديث توسل آدم ، والإمام الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه (الوفاء) ، فقد ذكر الحديث وغيره  ،والإمام الحافظ القاضي عياض في كتابه (( الشفا في التعريف بحقوق المصطفى)) ، فقد ذكر في باب الزيارة وباب فضل النبي r كثيراً من ذلك  ،و الإمام الشيخ نور الدين القاري المعروف بملا علي قاري في شرحه على الشفا في المواطن السابقة والإمام الحافظ القسطلاني في كتابه [المواهب اللدنية] والعلامة الشيخ محمد عبد الباقي الزرقاني في شرحه على المواهب (ج1 ص44).والإمام شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى النووي في كتابه الإيضاح   [في الباب السادس ص498] والعلامة ابن حجر الهيتمي في حاشيته على الإيضاح ص499 ، وله رسالة خاصة في هذا الباب تسمى بـ[الجوهر المنظم] وابن الجوزي الدمشقي في كتابه [عدة الحصن الحصين] في فضل آداب الدعاء  .

 

ويقول الشيخ محمّد الحامد رحمه الله تعالى: (يجوز التوسل إلى الله سبحانه وتعالى برسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام وعلى آلهم وبأوليائه رضوان الله عليهم وأما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى برسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام وعلى آلهم وبأوليائه رضوان الله عليهم فإنه جائز وسائغ عند أهل الحق بل إنه مستحب إذ هو من أسباب إجابة الدعاء وليس فيه أدنى شبه بشرك لأن الله تعالى هو المدعو وحده ولا شريك له في الخلق والتأثير والاستشفاع غير الدعاء فما من وضر يلحق الداعي ولا من لوث يمس عقيدة التوحيد فيه والناس في الآخرة يستشفعون إلى الله برسله وبسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم " ردود على أباطيل ص (25) القسم الثاني.

 

أدلة القائلين بجواز التوسل :

 

أولا : الأدلة من القرآن الكريم :

 

أولا : قوله تعالى  : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ { . ( سورة المائدة آية 35 ).

 

وجه الإستدلال : أنّ الوسيلة : كلّ ما جعله الله سبباً في الزلفى عنده ووصله إلى قضاء الحوائج منه والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه .

ولفظ الوسيلة عام في الآية كما ترى فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة  من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات وبالإتيان بالأعمال الصالحة على الوجه المأمور به وللتوسل بها بعد وقوعها .( انظر : مفاهيم يجب أن تصحح ، للشيخ المالكي ، ص118 ) .

 

ثانيا : قوله تعالى : } وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ { .

 

قال ابن عباس : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود  فدعت يهود بهذا الدعاء ، وقالوا : إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن  تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ، قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا  الدعاء فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي r كفروا ، فأنزل الله تعالى : } وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ { أي بك يا محمد إلى قوله : } فَلَعْنَةُ اللَّه  عَلَى الْكَافِرِينَ { . انظرتفسير القرطبي (ج2 ص26 -27 )

 

ثالثا : قوله تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾( سورة الإسراء ، آية 56 ) .

 قال ابن عباس ومجاهد: هم عيسى عليه السلام وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم، يبتغون أي يطالبون إلى ربهم الوسيلة أي القربة، وقيل الدرجة: أي يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا وقيل: الوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى وقوله: ﴿أيهم أقرب﴾ معناه ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى فيتوسلون به.

وقال الزجاج أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح ونحوه في تفسير الخازن.

 

رابعا: قوله تعالى: ﴿وقال لهم نبيهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾(سورة البقرة ، آية 248 ) .

 

 

قال ابن كثير: وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه، وكان فيه طست من ذهب كانت يغسل فيه صدور الأنبياء(البداية والنهاية (ج2/ ص8).

 

وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلا بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم غير ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك الفعل.

 

خامسا : قوله تعالى: ﴿ولمّا جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين﴾ روى أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون الله يدعون على الذين كفروا يقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا يريد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشكوا فيه كفروا به ولهذا الأثر طرق كثيرة.

وفي تفسير النيسابوري ما نصه: قوله يستفتحون على الذين كفروا وذلك أن اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن يسألون به الفتح والنصرة على المشركين إذا قاتلوهم يقولون: اللهمّ انصرنا بالني المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين : قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

وقال في تفسير الكشاف وفي تفسير الخازن ما نصه: وكانوا يعني اليهود من قبل أي من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستفتحون أي يستنصرون به على الذين كفروا يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان بني يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم فلما جاءهم ما عرفوا أي الذي عرفوه يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل كفروا به أي جحدوا وأنكروا بغيا وحسدا ونحوه في تفسير البغوي والنسفي.

 

وفي روح المعاني للآلوسي: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس وقتادة والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا:اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له .

 

ووجه الإستدلال من هذه الآية ظاهر فإن الله سبحانه أقر استفتاح اليهود بالرسول ولم ينكره عليهم وإنما ذمهم على الكفر والجحود بعد إذ شاهدوا بركة الاستفتاح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 

سادسا: قوله تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾سورة النساء ( آية 64 ) .

 

جاء في تفسير ابن كثير: عند قوله تعالى: ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ..

: ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ﴿ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم انشد يقول:

 

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه                فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه                   فيه العفاف وفيه الجود والكرم

 

 

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: «الحق بالأعربي فبشره أن الله قد غفر له» تفسير ابن كثير (ج1/ص643)..

 

وقد جاء في تفسير القرطبي ما نصه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك.." :

"روى أبو صالح عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك ووعيت عن الله فوعينا منك وكان فيما أنزل الله عليك ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاوؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لكانظر : (تفسير القرطبي (ج5/ص265).).

 

فالآية دليل على جواز التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في سائر الأحوال لأنه في قبره الشريف حي يرزق تعرض عليه أعمال أمته فيدعو لهم ويستغفر ويلحق به في جواز التوسل كل ما تثبت له هذه المزية كالشهداء والعلماء العاملين والأولياء المتقين ونحوهم .

.

هذا وقد روى هذه القصة غير من مضى من الأئمة:الإمام النووي الشافعي في كتابه الإيضاح ( ص 498 ) ،  وفي المجموع في كتاب الحج ،  وذكرها ابن قدامة من فقهاء الحنابلة  في كتابه المغني( 3 \ 600).وأبو الفرج ابن قدامة في كتابه الشرح الكبير(( 3 \ 495 ) ، وجعلوا هذا الدعاء من آداب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم .

الأدلة من السنة :

 

أولا: بما أخرجه  الترمذي  وابن خزيمة في صحيحه و الحاكم بإسناد صحيح ووافقه الذهبي  عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه  أنّه قال : سمعت رسول الله r وجاءه  رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال : يا رسول الله ! ليس لي قائد وقد شق عليَّ ، فقال رسول الله r :

((ائت الميضأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل : " اللهم إني أسألك وأتوجه  إليك بنبيك محمد r نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيجلي لي عن بصري ، اللهم شفعه فيَّ وشفعني في نفسي ، قال عثمان : فو الله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر)) ..

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه  وقال الذهبي عن الحديث : أنه صحيح .

وقال الترمذي في أبواب الدعوات آخر السنن : هذا حديث حسن صحيح غريب ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (658) وابن ماجه (1385) وقال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح ورواه ابن خزيمة في صحيحه (1219) .

 

وجه الإستدلالقوله: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليكهو توسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم  وقوله : "يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في قضاء حاجتي.."  هو  استغاثة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم  ،وقد اعتمد العلماء في كتب الأمهات الفقهية هذا الحديث وجعلوه دعاءً لصلاة  الحاجة حاثين الأمة عليها.

 

اعترض على هذا الإستدلال : بأنّ هذا الأمر خاص بحياته الشريفة صلّى الله عليه وسلّم .

 

وأجيب على هذا الإعتراض :

بأنّه ليس خاصاً بحياته r بل قد استعمل بعض الصحابة هذه الصيغة من التوسل بعد وفاته r فقد روى الطبراني أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له ، وكان عثمان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى الرجل عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل :"اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد r نبي الرحمة ، يا محمدإني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي. وتذكر حاجتك .."

 

فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى   أخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة وقال : ما حاجتك ؟  فذكر حاجته فقضاها له ، ثم قال : ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة  ثم قال : ما كانت لك حاجة فائتنا ، ثم إن الرجل لما خرج من عنده لقى عثمان بن حنيف وقال له : جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ  حتى كلمته فيَّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله r وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبي r :أو تصبر ؟ فقال : يا رسول الله ! ليس لي قائد ، وقد شق عليَّ ، فقال له النبي :((إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات ، فقال عثمان ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه  لم يكن به ضر قط)) ..قال المنذري : رواه الطبراني ، وقال بعد ذكره : والحديث صحيح . (كذا في الترغيب ، [ج1 ص440 وكذا في مجمع الزوائد ج2 ص279] .

 

فهذه الرواية صححها الحافظ الطبراني والحافظ أبو عبد الله المقدسي ، ونقل ذلك التصحيح الحافظ المنذري والحافظ نور الدين الهيثمي .

 

ووجه الإستدلال من هذه الرواية  أن عثمـان بن حنيـف الراوي للحديث علّم من شكا إليه إبطاء الخليفة عن قضاء حاجته هذا الدعاء الذي فيه التوسل   بالنبي r والنداء له  متوسلا به بعد وفاته r ، ولما ظنّ الرجل أن حاجته   قضيت بسبب كلام عثمان مع الخليفة ، بادر ابن حنيف بنفي ذلك الظن وحدثه بالحديث الذي سمعه وشهده ليثبت له أن حاجته إنما قضيت بتوسله به r  وأكد ذلك له بالحلف أنه ما كلم الخليفة في شأنه .

 

وكذلك روي  أنّ عبد الله بن عمر كان قد توسّل بالنبي بعد موته ، حيث أخرج البخاري عن عبدالله بن دينار رضي الله عنه قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يتمثل بشعر أبي طالب:

 

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه             ثمال اليتامى عصمة للأرامل

 

وفي لفظ قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب. ( أخرجه البخاري  حديث (1008)

 

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه             ثمال اليتامى عصمة للأرامل

 

فتمثله رضي الله عنه بهذا البيت من قول أبي طالب دون غيره دليل على توسله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومثل ابن عمر لا يصدر عنه ما يشك في قبوله شرعا.

وكذلك قد ثبت في أحاديث صحيحة وردت في الصحيحين أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يتبركون بشعره بعد وفاته وأم سليم تأخذ من عرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتضعه في زجاجة وكلما نقص زادته ماءًا كدواء يتشفى به بإذن الله تعالى .

وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن الذي انفصل من أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته ثم بقي إلى ما بعد وفاته يأخذ الحكم ذاته بعد وفاته أيضا، وهو جعله سببا للشفاء أو التبرك والمسبب هو الله وحده فمن باب أولى ذات النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجاهه الكريم عند الله عز وجل فإنه لم يتبدل ولم يتغير ولم يبل ولم يخلق فالأنبياء أحياء في قبورهم يصلون والأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، فلو أجزنا التوسل بالحي دون الميت لجعلنا للحي نوع تأثير دون أن نشعر وهذا خلاف عقيدة الإسلام ، ولم يرد نص واحد يثبت أن الله ينزع من أنبيائه وأوليائه المكانة والجاه بعد انتقالهم إلى عالم البرزخ.

 

ثمّ من اعتقد أنّ لأحد من الخلق تأثيرا في الحياة ينقطع عنه بانتقاله إلى البرزخ ففي عقيدته شيء من إشراك العبد لله في الأفعال والتأثير فليس لأحد من الخلق تأثير ذاتي ولا قيام له بنفسه وحولهم وقوتهم بالله تعالى هو يجري على أيد خلقه ما يشاء من المقادير في حال حياتهم الدنيوية وكذلك الأمر في حال الحياة البرزخية والأخروية فلو كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لغيره تأثير في حياته كما توهم بعض القاصرين لصح نفيه عنه بعد انتقاله ولجاز حينئذ سؤاله ونداؤه في حياته فقط أما ما دام لا تأثير له في حياته الدنيوية كذلك لا تأثير له بعد انتقاله إلى الحياة البرزخية والله تعالى أجرى بحوله وقوته على يديه الخير في حال حياته الدنيوية هو الذي يجري على يديه بعد انتقاله ومن الذي يقيد الله تعالى ويوجب عليه أن يفتح على أيدي خلقه في حال حياتهم الدنيوية ولا يفتح على أيديهم في حال انتقالهم إلى حياة أخرى برزخية أو أخروية؟!

 

يقول الشيخ محمّد الحامد رحمه الله تعالى: ( لو كان التوسل شركا أو فيه شائبة الشرك ما علّمه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم للأعمى حين سأله أن يدعو الله له ، فقد علمه التوسل به وإجازة التوسل في حياة المتوسل به لا بعد مماته لا يعتمد شرعا وفعل عمر رضي الله عنه ليس فيه إلا التوسل بالحي وفعل الشيء لا ينفي ما عداه كما هو مقرر ) ردود على أباطيل ص (26) القسم الثاني.

 

رابعا : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال:" اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، قال: فيسقون . " أخرجه البخاري (1010).

قال  الحافظ ابن حجر في الفتح : "يستفاد من قصة العباس استحباب الإستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة ، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقه "  ( انظر : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ج2 \ 497 ) .

 

واعترض على هذا الاستدلال باعتراضين  :

 

الاعتراض الأول : أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسل بالعباس لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان قد توفي، وأجيب على هذا الاعتراض بما يلي :

 

أ-أنّ توسل عمر بالعباس في الحقيقة توسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنّ عمر توسل به لمكانته من النبي وكونه عمه فها هو يقول عم نبينا ولم يقل بالعباس بن عبد المطلب ثمّ إنّه أراد بفعله أن يبين جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الصلاح ممن ترجى بركته.

 

 

بإنّ ترك الشيء لا يدل على منعه كما تقرر في الأصول فترك عمر للتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه أصلا على منع التوسل وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا من المباحات فهل دلّ تركه لها على حرمتها؟ لم يقل ذلك أحد من العلماء ثمّ إنّ صاحب الوسيلة لا يتصرف بنفسه في قضاء حاجة المتوسل حتى يحول موته دون ذلك وإنما هو يسعى بالشفاعة عند الله تعالى في قضاء حاجة المتوسل فهل ورد نص بتجرد الأنبياء والصالحين بموتهم ممّا لهم عند الله من المنزلة والجاه .

 

الإعتراض الثاني : أنّ عمر ابن الخطاب لم يتوسل بذات العباس وإنّما بدعائه ، والتوسل بالدعاء مشروع .

 

وأجيب على هذا الإعتراض : أنّه روي من طريق داود عن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : " استسقى عمر عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب ، فذكر الحديث وفيه : " فخطب النّاس عمر فقال : " إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد ، فاقتدوا أيّها النّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عمّه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله " ( انظر : فتح الباري ، شرح صحيح البخاري ، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ج2 \ 497 ، طبعة دار الفكر للطباعة والنشر ) .

 

خامسا  : بما رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن ماجه في سننه  عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله r :  " من خرج من بيته إلى الصلاة ، فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك   وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي ،  إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، أقبل الله بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك ."

 

قال المنذري في الترغيب والترهيب ج3 ص119 : رواه ابن ماجه بإسناد  فيه مقال ، وحسنه شيخنا الحافظ أبو الحسن  ، وقال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار ج1 ص272 : هذا حديث حسن ، أخرجه أحمد وابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وأبو نعيم وابن السني وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ج1 ص323 عن الحديث : بأنه حسن.وقال الحافظ البوصيري في زوائد ابن ماجه المسمى ((بمصباح الزجاجة))  ج1 ص98 : رواه ابن خزيمة في صحيحه  ، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في المتجر الرابع ص471 : إسناده حسن إن شاء الله  "  .

 

قال ابن علان في شرح الأذكار ج2 ص29   معلقاً على هذا الحديث ((اللهم إني أسألك بحق السائلين)) : " فيه التوسل بحق أرباب الخير على سبيل العموم من السائلين ومثلهم بالأولى الأنبياء والمرسلون . "

 

وهذا حث ظاهر منه صلّى الله عليه وسلّم  للصحابة على التوسل إلى الله تعالى بجاه ومنزلة السائلين عنده والسائلين  وهو جمع يشمل الأموات والأحياء ومن كان حاضرا ومن كان غائبا ، وقد حثّ الشيخ محمّد بن عبد الوهاب على العمل به  في كتاب آداب المشي إلى الصلاة وجعله من آداب المشي إلى الصلاة .

 

سادساأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم» هذا الحديث متواتر ، وممن رواه البخاري ومسلم (194).

 

وجه الإستدلالإنّ هذا الحديث ظاهر في أنّ الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم ويستغيثون به، ولو كان التوسل والاستغاثة كفرا لما جاز لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يشفع لهم عند الله ...

والله تعالى أعلم

المجلس الإسلامي للإفتاء

الأثنين 5 صفر 1435هـ الموافق 9/12/2013م