المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
عنْ أَبي أَيوبِ رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضانَ ثُمَّ أَتَبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيَامِ الدَّهْرِ رواهُ مُسْلِمٌ.
الأقسام
حديث اليوم
عن سعيد بن المسيب قال : « إن العبد ليرفع بدعاء ولده من بعده »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( لا تحاسدوا ، و لا تناجشوا ، و لا تباغضوا و لا تدابروا ، و لا يبع بعضكم على بيع بعض ، و كونوا عباد الله إخوانا ، السلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله ، و لا يكذبه و لا يحقره ، التقوى ها هنا - و يشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ). رواه مسلم .
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
هل للأفراد والجماعات إقامة الحدود والقصاص في ظل غياب الإمام ؟
تاريخ: 2/10/19
عدد المشاهدات: 6827
رقم الفتوى: 775
 
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله ، وبعد :
 
إنّ إقامة الحدود عند توافر الشرائط فريضة شرعية  لقوله سبحانه تعالى : )وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ([النساء: 14]. وقال جل شأنه: )تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ([البقرة:187].

وروى الشيخان في صحيحيهما عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها "أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ ثم قالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فكلمه أسامة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: "يا أسامة أتشفع في حد من حدود اللَّه! ثم قام فاختطب. فقال: إنّما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطعت يدها".رواه البخاري ومسلم .
 
والحكمة من إقامة الحدود الانزجار عما يتضرر به العباد وصيانة دار الإسلام عن الفساد والطهر من الذنب.
 
يقول أبو زهرة رحمه الله تعالى : "الغاية من العقاب في الفقه الإسلامي أمران: أحدهما حماية الفضيلة وحماية المجتمع من أن تتحكم الرذيلة فيه. والثاني المنفعة العامة والمصلحة...فالفضيلة تترتب عليها المصلحة الإنسانية العامة وهي في ذاتها أعلى المصالح وأسماها فلا مصلحة في الرذيلة ولا فضيلة إلا ومعها مصلحة" انظر : [العقوبة ص 28].
 
وفي ذلك يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم  :"حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحًا" [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة. وحسنه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب(2/295)].
 
إلاّ أنّ إقامة الحدود بكافة أنواعها والتعزيرات موكولة للإمام أي الحاكم أو نائبه  وليس للأفراد، فلا يجوز أن يتفرد فرد أو جماعة أو تنظيم  بإقامة الحدود  .
 
قال الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى: "لا يقيم الحدود على الأحرار إلا الإمام ومن فوض إليه الإمام، لأنه لم يُقَم حدٌّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، لأنه حق الله يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن في استيفائه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام.  انظر : ( الأم (6/154) .
وقال الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي : "وأما شرائط جواز إقامتها - يعنى الحدود - فمنها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص البعض دون البعض، أما الذي يعم الحدود كلها فهو الإمامة، وهو أن يكون المقيم للحد هو الإمام أو من ولاه الإمام"  انظر : (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، (9\204 )
وجاء في الفتاوى الهندية من كتب الحنفية المعتمدة  ( 2\143 ) : " وركنه ( أي الحد ) إقامة الإمام ـو نائبه في الإقامة ".

هذا وقد نقل  ابن رشد المالكي الإتفاق على أنّ الذّي يقيم الحدّ هو الإمام حيث جاء في بداية المجتهد :"وأما من يقيد هذا الحد {أي شرب المسكر} فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود". في بداية المجتهد (2/365).
وقال القرطبي المالكي : "لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر - أي الأمر بحد الزنا - الإمام ومن ينوب منابه " انظر : الجامع لأحكام القرآن "  (12\161 ).
 
وقال أيضاً: "لا خلاف أن القصاص في القتل، لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود"  . ( انظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، 2\246 ).

وقال أيضا: "اتفق أئمة الفتوى أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض" ( جامع أحكام القرآن للقرطبي ، 2 \256).

قال ابن قدامة الحنبلي  رحمه الله تعالى : "لا يجوز لأحد إقامة الحد، إلا للإمام أو نائبه لأنه حق لله تعالى، ويفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن في استيفائه الحيف، فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد في حياته، ثم خلفاؤه بعده"  انظر : الكافي  ، لإبن قدامة (3/234).

 والحكمة من ذلك ضبط الأمن، ومنع التعدي، والأمن من الحيف ، وإلاّ لأدّى ذلك إلى الفوضى والإرباك وانتشار الهرج والفساد .
 وعلى العاصي الاستغفار والتوبة إلى الله، والإكثار من العمل الصالح، وإذا أخلص لله في التوبة تاب الله عليه، وغفر له بفضله وإحسانه.

جاء في فتاوى اللّجنة الدّائمة : " من وقع في الزنا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا، وينبغي أن يستر نفسه بستر الله- عز وجل- ولا يطالب بإقامة الحد عليه، ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود؛ لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة".

وجاء في الموسوعة الفقهية : "  اتفق الفقهاء على أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه ، سواء كان الحد حقا لله تعالى كحد الزنى ، أو لآدمي كحد القذف ، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد ، ولا يؤمن فيه الحيف ، فوجب أن يفوض إلى الإمام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته ، وكذا خلفاؤه من بعده . ويقوم نائب الإمام فيه مقامه" (الموسوعة الفقهية الكويتية - (5 / 280) .

نخلص ممّا سبق أنّ إقامة الحدود موكلة للحاكم أو من ينيبه، ولم يعرف في عصر التشريع ولا العصور الأولى أن قام آحاد الناس بإقامة الحدود، فالمطالع لأحاديث ووقائع إقامة الحدود يجدها تختص بالحاكم، سواء أكان الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان أحد الخلفاء الراشدين أو الولاة في البلاد ، ولا يقال أنّ هذه النّصوص قد قيلت في زمن وجود الإمام أو السّلطان وذلك لأنّها جاءت مطلقة عامة والمطلق يبقى على الإطلاقه كما هو معلوم لدى علماء الأصول ، فالنصوص السّابقة  لم تستثن زمناً دون زمن ولم تفرّق بين دار الإسلام وغيرها ومعلوم أنّ فقهاءنا قد تكلموا لحوادث عصرهم ولما بعد عصرهم فهم قد افترضوا مسائل يندر وقوعها بل مستحيلة الوقوع عادة فأنّى لهم أن يغفلوا عن مسألة مهمة مثل هذه التّي بين أيدينا والتّي تعتبر من القضايا الكبرى بالنسبة للأمة .
 

والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
27 ذي الحجة 1435 هـ الموافق 21.10.2014 م