ما حكم من لا يتبع مذهباً من المذاهب الأربعة ؟
تاريخ:
3/5/16
عدد المشاهدات:
14977
رقم السؤال:
13962
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله وبعد :
يحرم الخروج عن المذاهب الأربعة باتفاق العلماء ، ولا يعوّل على قول من شذّ بدعوى الدّليل ، وكأنّ المذهب قسيم للدليل ، وهذه دعوى باطلة من وجوه عدة :
أولاً : لأنّ المذهب هو طريق للدليل وحلقة وصل بين المقلد والدليل ، وليس قسيماً للدليل أو نداً .
ثانياً : الدعوى القائلة بأنّنا نتبع الدليل ولا نتبع المذهب فيه طعن بأسلافنا من العلماء ، وذلك وكأنّنا ندّعي أنّهم قالوا بأهوائهم بلا دليل .
ثالثا : الذّي يستنبط الحكم مباشرة من الدّليل بلا واسطة المذهب هو المجتهد ، وقد عزّ في زماننا لضعف الهمم وفساد الذّمم ، ولذلك لا نسمح بالخروج عن المذاهب الأربعة إلاّ إذا دعت إلى ذلك ضرورة وبناءً على اجتهاد جماعي لا اجتهاد فرديّ .
وإليك نصوص الفقهاء في المسألة :
قال النفراوي في " الفواكه الدواني " ( 2 \ 365 ) : " … وقد انعقد إجماع المسلمين اليوم على وجوب متابعة واحد من الأئمة الأربعة : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم ، وعدم جواز الخروج عن مذاهبهم ، وإنّما حرم تقليد غير هؤلاء الأربعة من المجتهدين ، مع أنّ الجميع على هدى لعدم حفظ مذاهبهم لموت أصحابهم وعدم تدوينها " .
وجاء في مواهب الجليل ، للحطّاب ، ( 1 \ 30 ) : ( قال القرافي : ورأيت للشيخ تقي الدين بن الصلاح ما معناه أنّ التقليد يتعيّن لهذه الأئمة الأربعة دون غيرهم ، لأنّ مذاهبهم انتشرت وانبسطت ، حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها ، فإذا أطلقوا حكماً وجد مكملاً في موضع آخر وأمّا غيرهم فتنقل عنه الفتاوى مجردة فلعلّ لها مكملا أو مقيداً أو مخصصاً لو انضبط كلام قائله لظهر ، فيصير في تقليده على غير ثقة ، بخلاف هؤلاء الأربعة ) .
وقال إمام الحرمين الجويني في البرهان ( 2 \ 744 ) : " أجمع المحققون على أنّ العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب أعيان الصحابة رضي الله عنهم ، بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ونظروا وبوّبوا الأبواب وذكروا أوضاع المسائل وتعرضوا للكلام على مذاهب الأولين ، والسبب فيه أنّ الذين درجوا وإن كانوا قدرة في الدّين وأسوة للمسلمين ، فإنّهم لم يعتنوا بتهذيب مسالك الإجتهاد وإيضاح طرق النظر والجدال وضبط المقال ، ومن خلفهم من أئمة الفقه كفوا من بعدهم النظر في مذاهب الصحابة فكان العامي ماموراً باتباع مذاهب السابرين " .
وقال ابن نجيم في الأشباه والنظائر ( 1\131 ) : " .. وما خالف الأئمة الأربعة مخالف للإجماع وإن كان فيه خلاف لغيرهم ، فقد صرّح في " التحرير " أنّ الإجماع انعقد على عدم العمل بمنصب مخالف للأربعة لإنضباط مذاهبهم واتشارها وكثرة أتباعهم "
وجاء في الفروع ، لإبن مفلح ، ( 6\374 ) : " وفي الإفصاح : إنّ الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة ، وأنّ الحق لا يخرج عنهم ، ويأتي في العادلة لزوم التمذهب بمذهب وجواز الإنتقال عنه " .
وقال الزركشي في " البحر المحيط " ( 8\240 ) : " وقد وقع الإتفاق بين المسلمين على أنّ الحق منحصر في هذه المذاهب وحينئذ فلا يجوز العمل بغيرها " .
وجاء في التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، للأسنوي ، ( 1\527 ) : " … وذكر ابن الصلاح ما حاصله : أنّه يتعيّن الآن تقليد الأئمة الأربعة دون غيرهم ، قال : لأنّها قد انتشرت وعلم تقييد مطلقها وتخصيص عامها وبشروط فروعها ، بخلاف مذهب غيرهم أجمعين " .
وقال ابن علاّن الصدّيقي في شرحه على رياض الصالحين المسمّى " دليل الفالحين " ( 1\415 ) : " أمّا في زماننا فقال بعض أئمتنا : لا يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة : الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد ، لأنّ هؤلاء عرفت مذاهبهم واستقرت أحكامها وخدمها تابعوهم وحرروها فرعاً فرعاً وحكماً حكماً ، فقلّ أن يوجد فرع إلاّ وهو منصوص لهم إجمالا أو تفصيلا بخلاف غيرهم فإنّ مذاهبهم لم تحرر وتدوّن كذلك ، فلا يعرف لها قواعد يتخرج عليها أحكامها فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منها ، لأنّه قد يكون مشترطاً بشروط أخرى وكلوها إلى فهمها من قواعدهم ، فقلّت الثقة بخلّو ما حفظ عنهم من قيد أو شرط فلم يجز التقليد حينئذ " .
وقال ابن رجب في " الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة " ص 13 : " فإن قيل : نحن نسلّم منع عموم النّاس من سلوك طريق الإجتهاد ، لما يفضي ذلك أعظم الفساد ، لكن لا نسلّم منع تقليد إمام متبع من أئمة المجتهدين غير هؤلاء الأئمة المشهورين ، قيل : قد نبهنا علة المنع من ذلك وهو أنّ مذاهب غير هؤلاء لم تشتهر ولم تنضبط ، فربما نسب إليهم ما لم يقولوه أو فهم عنهم ما لم يريدوه ، وليس لمذاهبهم من يذبّ عنها وينبه على ما يقع من الخلل فيها ، بخلاف هذه المذاهب المشهورة ، فإن قيل : فما تقولون في مذهب إمام غيرهم قد دوّن مذهبه وضبط وحفظ كما حفظ هؤلاء ، قيل : أولا : هذا لا يعلم وجوده الآن ، وإن فرض وقوعه الآن وسلّم جواز اتباعه والإنتساب إليه ، فإنّه لا يجوز ذلك إلاّ لمن أظهر الإنتساب إليه والفتيا بقوله والذّبّ عن مذهبه " .
وقال المرداوي في التحبير : ( 1\128 ) : " فإنّ مدار الإسلام واعتماد أهله قد بقي على هؤلاء الأئمة وأتباعهم ، وقد ضبطت مذاهبهم وأقوالهم وأفعالهم وحرّرت ونقلت من غير شك في ذلك ، بخلاف مذهب غيرهم وإن كان من الأئمة المعتمد عليهم ، لكن لم تضبط الضبط الكامل وإن كان صح بعضها فهو يسير فلا يكتفى به وذلك لعدم الأتباع " .
ومن العجيب أنّ ابن تيمية رحمه الله تعالى قد قطع بأنّ الحق لا يخرج عن الأئمة الأربعة رغم عدم التزامه بمواضع عديدة في فتاويه بذلك عفا الله عنه ، حيث جاء في الفتاوى المصرية ص81 : " وقول القائل : لا أتقيّد بأحد من هؤلاء الأئمة الأربعة ، إن أراد أنّه لا يتقيّد بواحد بعينه دون الباقين فقد أحسن بل هو الصواب من القولين ،وإن أراد أنّي لا أتقيّد بها كلّها ، بل أخالفها فهو مخطيء في الغالب قطعاً ، إذ الحق لا يخرج عن هذه الأربعة في عامة الشريعة " .
وفي شرح مجلة الأحكام ، لعلي حيدر ( 1 \ 34 ) : " إنّ للمجتهد شروطاً وصفات معينة في كتب أصول الفقه ، فلا يقال للعالم مجتهد ما لم يكن حائزا على تلك الصفات ، ومع ذلك فالمتأخرون من الفقهاء قد أجمعوا على سدّ باب الإجتهاد خوفاً من تشتت الأحكام ، ولأنّ المذاهب الموجودة وهي ( المذاهب الأربعة ) قد ورد فيها ما فيه الكفاية " .
لذا ننصحك أخي \ أختي السائل بالتزام مذهب من هذه المذاهب الأربعة وعدم الخروج عنها إلاّ بالشروط التي ذكرت وهي : الضرورة وباجتهاد جماعي بناءً على قرار صادر من مجمع فقهي ، كما وننصحك بالتزام مذهب بعينه حتى لا تقع بمستنقع تتبع الرّخص ، ويجوز لك الخروج عن مذهبك في حالة المشقة والضيق لمذهب آخر من المذاهب الأربعة بالإتفاق .
والله تعالى أعلم
د.مشهور فوّاز
رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء