الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
وصل إلينا سؤال من بعض أهل الإختصاص نصّه ما يلي:ما حكم اعطاء طفل خدج حليب من بنك الحليب البشري بحالة تعذر توفر حليب من أمه (بسبب ظروف صحيه او تأخر بإدرار الحليب أو كميات حليب غير كافيه) مع العلم أنّ بنك الحليب في البلاد يحضر وجبات حليب كل وجبة حليب مكونة من خليط حليب 5-12 أم متبرعة.
علمًا أنّ كلّ وجبات الحليب تمر بفحص للتأكد من خلوها من أمراض معديه ويتمّ بسترتها ومعالجتها.. لكل وجبة حليب يوجد رقم دفعه مما يتيح للأهل بالتوصل في المستقبل لاسم الأم المتبرعة (بحالة وافقت على كشف هويتها فقط).
بنك الحليب يعطي الحليب لأطفال خدج بشروط معينة مثل وزن ولادة متدنٍ (أقل من 1500 غرام) أو أسبوع ولادة أقل من 32 أسبوع أو لمواليد يعانون من أمراض خاصة ولا يمكنهم التغذي على الحليب الصّناعي. حيث أثبتت الأبحاث أنّ حليب الأم هو بمثابة دواء للأطفال الخدج، يقلل الخطر من الإصابة بالكثير من المضاعفات مثل التهاب الامعاء والتلوثات والعديد من المخاطر المحدقة بهم، كما أنّ حليب الأم يحميهم في كثير من الحالات و ينقذ حياتهم.
الجواب: إنّه وعلى الرغم من الأهداف النبيلة الخيّرة التي من وراء مشروع بنوك الحليب للأطفال الخدج إلا أنّ هنالك ثمة محاذير يخشى من وقوعها بسبب هذا المشروع وهو أنّ هذا الطفل الرضيع سيكبر ويصبح شابًا في هذا المجتمع ومن ثمّ يريد أن يتزوج إحدى الفتيات وهنا يخشى أن تكون هذه الفتاة أخته من الرضاع وهو لا يدري لأنّه لا يعلم من رضع معه من هذا اللبن المجموع وذلك لأنّه حتى لو كان يمكنه معرفة المرأة التّي رضع منها –كما جاء في السّؤال - إلاّ أنّه لا يمكنه معرفة من رضع من هذا الحليب المجموع ، فكلّ امرأة تبرعت بهذا الحليب تصبح أمًا بالرّضاع لكلّ طفل شرب من حليبها أوسيشرب من حليبها كما أنّ جميع من رضع من هذا الحليب يصبحوا أخوة وأخوات بالرّضاع ولو شربوا بأوقات متفرقة ، كما يصبح أبناء وبنات هذه المرأة المشاركة بالحليب أخوة وأخوات لكل طفل شرب من هذا الحليب الذّي تبرعت والدتهم ، كما يصبح إخوة وأخوات هذه المتبرعة بالحليب أخوالا وخالات لكلّ من شرب من هذا الحليب المُتبرَع به ، وتصبح أخوات وأخوة زوج المتبرعة بالحليب أعمام وعمات لكل طفل شرب من هذا الحليب إلى غير ذلك من فروع وأحكام الرضاع.
هذا وقد ذهب جمهور الفقهاء ومنهم المذاهب الأربعة ( الحنفية، المالكية، الشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم ) إلى أنّ علة الرّضاع التي رتب عليها الشّارع التّحريم هي: وصول اللّبن ( الحليب ) إلى الجوف سواء كان طريق وصوله عن طريق الثّدي أو عن طريق صبّه في الحلق من إناء أو عن طريق الأنف أو بطريق حقنة أو غيره من الوسائل. انظر: [ الاختيار 3/120، مجمع الأنهر 1/188، الشرح الصغير للدردير 2/720، روضة الطالبين 9/6، مغني المحتاج 3/415، المغني 7/538 ].
وذلك لأنّ عموم النّصوص لم تفرّق في بين كيفية وأخرى في تعاطي الحليب فوصول اللّبن (الحليب) إلى الجوف بهذه الوسائل يتحقق به إنبات اللحم وإنشاز العظم كالارتضاع من الثّدي لذا يجب أن يكون مماثلاً له في التّحريم.ويؤكّد ذلك ما جاء في الحديث: ( إنمّا الرضاعة من المجاعة ). ووجه الاستدلال من الحديث: أنّ كلّ ما سدّ جوع الجائع كان إرضاعًا تثبت بسببه المحرمية بين صاحبة الحليب وبين الرّاضع بأيّ وسيلة تمّ الرضاع طالما أنّ عمره أقلّ من سنتين.
وبسبب هذه المحاذير صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمر الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ الموافق 22 – 28 كانون الأول ( ديسمبر ) 1985م، بمنع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي وذلك لما يلي:
أولاً: أنّ بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية، ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها فانكمشت وقلّ الاهتمام بها.
ثانيًا: أنّ الإسلام يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.انتهى قرار المجمع الفقهي الدّولي.
ويضاف على قرار المجمع الفقهي أنّ هنالك ما يسدّ الحاجة والغرض لنمو الطفل وإنقاذ حياته وهو الحليب الصّناعي فهو نافع ومجرب كما يقول المختصون ويف في الغالب بالغرض المطلوب ويسدّ حاجة الطّفل .
وبناءً على قرار المجمع يمنع التّبرع لبنوك الحليب أو تغذية الطّفل بحليب هذه البنوك إلاّ إذا اتخذت جميع التّدابير الوقائية بحيث يتمّ معرفة هوية كلّ متبرعة وكلّ من شرب من هذا الحليب وذلك تفاديًا لاختلاط الأنساب خصوصًا . هذا ويستثنى ممّا سبق حالات الاضطرار وذلك كأن يقرّر الطبيب الثقة المختص في حالات خاصة استثنائية أنّ طفلا ما لا يصلح له إلاّ حليب الأم وإلاّ سيلحق به الضّرر فهنا يُرخص لهذا الطّفل بشكل خاص بتناول حليب من
بنوك الحليب بالشروط الآتية:
أ.وجوب بذل الجهد ابتداءً بتوفير مرضعة معينة تتبرع بحليبها لهذا الطّفل كأخته أو عمته أو خالته أو جارة أو امرأة أخرى فإن وجد فلا يجوز أخذ حليب من بنوك الحليب نظرًا لتوفر البديل . ففي حالات كثيرة بحكم العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا يمكن توفير امرأة تتبرع بحليبها للمولود الخداج أو ناقص الوزن أو المحتاج إلى اللبن البشري في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب ، خاصة وأنّه يمكن إدرار الحليب في أيامنا عن طريق الهرمونات ولو لم تكن المرأة مرضعة بالفعل.
ب. يجب أن يجتهد والدا الطّفل بمعرفة الأمهات اللّواتي شرب منهنّ الطّفل إذا أمكن ذلك . فما لا يدرك كلّه لا
يُترك جلّه.
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
عنهم:أ.د.مشهور فوّاز رئيس المجلس
الأربعاء 11 جمادي الأولى 1446ه \ 13.11.24م