بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام متعلقة بالأشهر الحرم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
الأشهر الحرم: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم ورجب.
قال الله تعالى: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين }. [ التوبة : 36 ].
فالظلم في جميع الأوقات حرام ويعظم في الأشهر الحرم: { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }. [ الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي 8/134 ].
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تُحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام... }. [ المائدة : 2 ].
وقال تعالى: { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ... }. [ البقرة : 217 ].
وروى البخاري ومسلم عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ( ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد؛ ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلغت! اللهم فاشهد... ). [ البخاري في بدء الخلق (3197)، ومسلم في القسامة (1679) ].
أولاً : القتال :
حرمة القتال في الأشهر الحرم منسوخة، فالقتال في سبيل الله جائز في كل الشهور. قاله: قتادة، وعطاء الخرساني والزهري وعطاء بن ميسرة وسفيان الثوري وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة والطبري والقرطبي. انظر: [ حاشية ابن عابدين 6/152، مغني المحتاج – للخطيب الشربيني 4/276، كشاف القناع – للبهوتي 3/40، المجموع 21/117، الحاوي الكبير – للماوردي 18/118، الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي 8/134، الموسوعة الفقهية 5/52 , الفقه المنهجي 3/479 ] .
اتفقوا عل نسخها ولكن اختلفوا في ناسخها:
قال الزهري : نسخها بقوله تعالى: { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة }. [ التوبة: 36 ]. [ الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي 8/134 ].
وقيل: بقوله تعالى: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم }. [ التوبة: 5 ]. [ كشاف القناع – للبهوتي 3/40 ].
وقيل: بقوله تعالى: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل }. [ البقرة : 191 ]. [ مغني المحتاج – للخطيب الشربيني 4/276 ].
وبغزو النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفاً في الشهر الحرام، وإغزائه أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في الشهر الحرام. [ الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي 8/134، كشاف القناع – للبهوتي3/40 ].
وبعث خالد بن الوليد إلى الطائف في ذي القعدة فقاتلهم. [ المجموع 21/117 ].
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على قتال قريش في ذي القعدة. [ الحاوي الكبير – للماوردي 18/118 ] .
قال الزهري: " كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل بعد ". [ رواه الطبراني , الموسوعة الفقهية 5/52 ] .
قال في الحاشية:" وتحريمه في الأشهر الحرم فمنسوخ بالعمومات كاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" ، " ثم اعلم أن الأمر بالقتال نزل مرتباً، فقد كان صلى الله عليه وسلم مأموراً أولاً بالتيلبغ والإعراض { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين }. [ الحجر: 94 ]، ثم بالمجادلة بالأحسن { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة }. [ النحل: 125 ]، ثم أذن لهم بالقتال { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير }. [ الحج: 39 ]، ثم أمروا بالقتال إن قاتلوهم: { فإن قاتلوكم فاقتلوهم }. [ البقرة: 191]، ثم أمروا به بشرط انسلاخ الأشهر الحرم { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين }. [ التوبة: 5 ]، ثم أمروا به مطلقاً { وقاتلوا في سبيل الله }. [ البقرة : 191 ]، واستقر الأمر على هذا ". [ حاشية ابن عابدين 6/152 ].
وقال في مغني المحتاج:"... ثم أمر به من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } . [ البقرة : 191 ]. [ مغني المحتاج – للشربيني 4/276 ].
قال عطاء بن ميسرة: " أحل القتال في الشهر الحرام في براءة، قوله تعالى: { فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين... } الآية، يقول: فيهن وفي غيرهن ". [ الموسوعة الفقهية 5/52 ].
ثانياً: الصيد:
وما يعتقده بعض العامة من حرمة الصيد في الأشهر الحرم فغير صحيح ولم يثبت دليل شرعي في منع ذلك.
إلا أن حرمة الأشهر الحرم باقية من حيث تغليظ إثم وحرمة الظلم فيهن لقوله تعالى : { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }.
ثالثاً: تغليظ الدية:
كما أنه عند الشافعية تغلظ الدية في القتل الخطأ إن قتل في مكة بدليل إيجاب جزاء الصيد المقتول فيه , أو في الأشهر الحرم , أو قتل مَحرَماً ذا رحم , لأن العبادلة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم غلظوا في هذه الأشياء الثلاثة وإن اختلفوا في كيفية التغليظ , ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم فكان إجماعاً , وهذا لا يدرك بالاجتهاد بل بالتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم . انظر : [ مغني المحتاج 4/72+73 – كتاب الديات ].
رابعاً : العمل الصالح فيها :
كما يعظم الأجر والثواب فيهن , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم , وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ). [ رواه مسلم (1163) ] .
وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الباهلي: (... صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر )، قال زدني فإن بي قوة، قال: ( صم يومين )، قال: زدني، قال: ( صم ثلاثة أيام )، قال: زدني، قال: ( صم من المحرم واترك، صم من المحرم واترك, صم من المحرم واترك ). وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها . وفي رواية: ( ... صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده , وصم أشهر الحرم ). [ أخرجه أحمد (5/28)، وأبو داود (2428), وابن ماجه في الصيام (1741) والنسائي (2743 ].
ومنها صوم عاشوراء : عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال : ( يكفر السنة الماضية ). [ رواه مسلم (1162)].
ومنها العمل الصالح في عشر ذي الحجة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني: أيام العشر, قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجل خرج بنفسه , وماله , فلم يرجع من ذلك بشيء ). [ رواه البخاري (2/381)].
والله تعالى أعلم
25/5/2007