بسم الله الرحمن الرحيم
فتاوى عن الحج
المجلس الإسلامي للإفتاء
2- يدعي بعض الناس انه إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فهذا هو يوم الحج الأكبر فهل هذا صحيح ؟
3- بعض آداب الحاج
آداب الاستعداد للحج
آداب السفر للحج
آداب مناسك الحج
آداب العودة من الحج
4- هل الذبح في الحج يعتبر أضحية ؟
5- ما هو الحج المبرور الذي يستحق أهله الجنة ؟
6- ما هو فضل العمل الصالح في العشر من ذي الحجة وصيام يوم عرفة ؟
7- هل الثواب في كل مساجد مكة المكرمة مثل الثواب في حرم الكعبة المشرفة ؟
12- امرأة فاجأتها الدورة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة , ماذا تفعل ؟
13- الإهلالُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
بسم الله الرحمن الرحيم
سفر المرأة للحج من دون محرم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
السؤال : ما حكم سفر المرأة لأداء الحج أو العمرة إذا لم تجد محرماً ؟
إن كانت المرأة لا تجد محرماً من أجل أداء فريضة الحج أو العمرة الأولى فلا حرج عليها أن تسافر مع مجموعة مأمونة . كما هو الحال اليوم في حافلة فيها مجموعة من الرجال والنساء . وقد قال بهذا المالكية ، وهذه الصورة تجوز عند الشافعية أيضاً.
على أن تضع المرأة نصب عينيها تقوى الله تعالى .
أما إن كانت قد أدت الحج والعمرة ( خاصة من يحج متمتعاً ) فلا تسافر المرأة بدون محرم لأدائهما تطوعاً .
والله تعالى أعلى وأعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحج الأكبر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
السؤال : يدعي بعض الناس انه إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فهذا هو يوم الحج الأكبر فهل هذا صحيح ؟
قال تعالى : { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولُه} [التوبة : 3] .
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) .
وفي رواية للبخاري : ( ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ب { براءة } فقال أبو هريرة : فأذن معنا في منى ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) .
وفي رواية للبخاري : ( ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر : الحج وإنما قيل الحج الأكبر من اجل قول الناس : العمرة : الحج الأصغر ... ) .
ويوم الحج الأكبر هو يوم النحر . قال ابن القيم رحمه الله : " وهو الصواب لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما أذنا بذلك يوم النحر لا يوم عرفة " .
- عن علي رضي الله عنه قال : سألت رسول الله عن يوم الحج الأكبر فقال : ( يوم النحر ) . [ أخرجه الترمذي وهو حسن بشواهده ] .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال : ( أي يوم هذا ؟ فقالوا : يوم النحر . فقال : هذا يوم الحج الأكبر). [ أخرجه أبو داود وإسناده حسن ] .
- وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه كان يقول : " يوم النحر يوم الحج الأكبر يهراق فيه الدم ويوضع فيه الشعر ويقص فيه التفث وتحل فيه الحرم" . [أخرجه الطبري في تفسيره وإسناده صحيح] .
يوم الحج الأكبر هو يوم النحر عند جمهور العلماء ومنهم : الإمام الشافعي ، ومالك ، وابن جرير الطبري ، ورجحه ابن القيم ، الشوكاني .
وهو مروي عن : علي ، وابن مسعود ، وابن أبي أوفى ، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وغيرهم من الصحابة والتابعين .
والله تعالى أعلى أعلم
20/3/1999
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض آداب الحاج
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فهذه بعض آداب الحج نذكرها باختصار :
آداب الاستعداد للحج :
1- يستحب أن يشاور من يثق بدينه وخبرته في تدبير أموره , ويتعلم أحكام الحج وكيفيته , قال الإمام النووي : " وهذا فرض عين , إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها , ويستحب أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في المناسك جامعاً لمقاصدها , وأن يديم مطالعته ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده , ومن أخل بهذا خفنا عليه أن يرجع بغير حج لإخلاله بشرط من شروطه أو ركن من أركانه أو نحو ذلك , وربما قلّد كثير من الناس بعض عوام مكة وتوهم أنهم يعرفون المناسك فاغتر بهم , وذلك خطأ فاحش " .
2- إذا عزم على الحج فيستحب له أن يستخير الله تعالى , لكن ليس للحج نفسه , فإنه لا استخارة في فعل الطاعات , لكن للأداء هذا العام إن كانت الحجة نافلة , أو مع هذه القافلة , وترد الاستخارة على الحج الفرض هذا العام لكن على القول بتراخي وجوبه .
3- إذا استقر عزمه على الحج بدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات , ويخرج من مظالم الخلق , ويقضي ما أمكنه من ديونه , ويرد الودائع , ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة , ويكتب وصيته , ويشهد عليها , ويوكل من يقضي عنه ما لم يتمكن من قضائه , ويترك لأهله ومن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه .
ولا يتوهم أحد الإفلات من حقوق الناس بعباداته , ما لم يؤد الحقوق إلى أهلها , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّين ) . [ أخرجه مسلم ] .
4- أن يجتهد في إرضاء والديه , ومن يتوجب عليه بره وطاعته , وإن كانت زوجة استرضت زوجها وأقاربها , ويستحب للزوج أن يحج بها , فإن منعه أحد والديه من حج الإسلام لم يلتفت إلى منعه , وإن منعه من حج التطوع لم يجز له الإحرام .
5- ليحرص أن تكون نفقته كثيرة وحلالاً خالصة من الشبهة , فإن خالف وحج بمال فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه في ظاهر الحكم , لكنه عاص وليس حجاً مبروراً , وهذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى وجماهير العلماء من السلف والخلف , وفي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم : ( ذكر الرجل يطيل السفر , أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب , ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ) . [ أخرجه مسلم ] .
6- الحرص على صحبة رفيق موافق صالح يعرف الحج , وإن أمكن أن يصحب أحد العلماء العاملين فليمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق .
آداب السفر للحج :
1- يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه , ويقول لمن يودعه ما جاء في الحديث : ( أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ) . [ أخرجه أحمد وحسنه ابن حجر ] .
ويسن للمقيم أن يقول للمسافر : ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ) . [ صححه الحاكم ووافقه الذهبي ] .
2- أن يصلي ركعتين قبل الخروج من منزله , يقرأ في الأولى سورة { قل يا أيها الكافرون } وفي الثانية { قل هو الله أحد } .
3- معرفة أحكام السفر ورخصه مثل الجمع والقصر .
آداب مناسك الحج :
1- التحلي بمكارم الأخلاق , والتذرع بالصبر الجميل , لما يعانيه الإنسان من مشقات السفر , والزحام , والاحتكاك بالناس .
2- استدامة حضور القلب والخشوع , والإكثار من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن , وغير ذلك , والمحافظة على أذكار مناسك الحج .
3- الحرص على أداء أحكام الحج كاملة وعدم تضييع شيء من السنن , فضلاً عن التفريط في الواجب , إلا في مواضع العذر الشرعية التي بيّنت في مناسباتها .
آداب العودة من الحج :
1- أن يراعي آداب السفر وأحكامه العامة للذهاب والإياب , والخاصة بالإياب , مثل إخبار أهله إذا دنا من بلده , وألا يطرقهم ليلاً , وأن يبدأ بصلاة ركعتين في المسجد إذا وصل منزله , وأن يقول إذا دخل بيته : ( توباً توباً , لربنا أوباً , لا يغادر حوباً ) . [ حديث حسّنه ابن حجر وقال : أخرجه أحمد وابن السني ] .
2- يستحب لمن يسلم على الحاج أن يطلب من الحاج أن يستغفر له , كما يستحب أن يدعو للحاج أيضاً ويقول : ( قبل الله حجك وغفر ذنبك , وأخلف نفقتك ) ... ويدعو الحاج لزوّاره بالمغفرة .
3- قال الإمام النووي : " ينبغي أن يكون بعد رجوعه خيراً مما كان , فهذا من علامات قبول الحج , وأن يكون خيره آخذاً في ازدياد " .
والله تعالى أعلم
25/1/2002
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الذبح في الحج يعتبر أضحية ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يقول السائل : إننا نذبح في الحج , فما هو هذا الدم ؟ سمعنا من يقول هو أضحية وسمعنا من يقول غير ذلك ؟
جرى أهل بلادنا أن يحجوا إلى البيت متمتعين بالحج إلى العمرة , وقد ثبت بصريح القرآن : أن الذي يتمتع بالحج إلى العمرة يلزمه هدي , قال تعالى : { ... فمن تمتع بالحج إلى العمرة فما استيسر من الهدي ... } . [ البقرة : 196 ] . والآية واضحة في سبب وجوب هذا الهدي , فهو التمتع وليس الأضحية , وقد رأيت الكثيرين حتى من أهل الاختصاص من لا يفرق بين الأضحية وهدي التمتع .
وقد اختلف أهل العلم في سبب وجوب الهدي :
مذهب الحنفية ( ابن عابدي – رد المحتار 2/9567 ) : هذا الدم نسكاً غايته الشكر أن منّ الله بالجمع بين نسكين ( الحج والعمرة ) , وقريب من هذا الرأي مذهب الحنابلة ( ابن مفلح 3/313 ) .
وأما المالكية فرأوا أن هذا الهدي ليسقط سفر العود إلى أفقه ( الدردير – الشرح الكبير 2/30 ) .
وذهب الشافعية إلى أن السبب هو جبران لسقوط الميقات , حيث لا يطالب المتمتع بالخروج إلى الميقات والإحرام منه مستأنفاً الحج وهو أرجح الأقوال .
يقول الإمام الألوسي – رحمه الله – في تفسيره ( روح المعاني 1/478 ) : " ... أي فعليه دم استيسر عليه بسبب التمتع فهو دم جبران لأن الواجب عليه أن يحرم من الميقات فلما أحرم لا من الميقات أورث ذلك خللاً فيه فجبر بهذا الدم ... وذهب أبو حنيفة إلى أنه دم نسك كدم القارن لأنه وجب عليه شكراً للجمع بين النسكين " .
والذي يعضد مذهب الشافعية في أن هذا الدم كان للجبران ما ثبت من أن أهل مكة لا يلزمهم الهدي , قال الألوسي ( 1/478 ) : " ... ومن ثم لا يجب على المكي ومن في حكمه " .
ويختلف هدي التمتع عن الأضحية بأمور :
1- سبب الأضحية عبادة مخصوصة في زمن معين وهو العيد , وأما الثاني فهو جبران لترك ميقات ( على الخلاف السابق ) .
2- نقل عن المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة أن هدي التمتع يجب لمجرد الإحرام ويجزئ ولو كان قبل العيد .
قال الدردير في ( الشرح الكبير 2/30 ) : " ودم التمتع يجب بإحرام الحج " .
وقال عز الدين ابن جماعة في ( هداية السالك 2/533 ) : " ويجب دم التمتع بالإحرام عند الشافعية وهو إحدى الروايتين عن أحمد ... وقال الحنفية أن وقت وجوبه بعد الإحرام بالحج " .
3- إن من لا يجد هدياً يجزؤه أن يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم ...
قال تعالى : { ... فمن لم يجد ( أي هدي ) فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ... } . [ سورة البقرة : 196 ] .
وقد نقل الألوسي في ( روح المعاني 2/479 ) الآثار والأحاديث الواردة في الترخيص للحاج غير الواجد هدياً أن يصوم .
4- ذهب الشافعي إلى أن المتمتع لا يأكل من هديه بخلاف الأضحية فالسنة أن يأكل منها .
وبذلك يتضح أن دم التمتع هو غير الأضحية , وعلى المرشدين الذين يرشدون الحجيج أن يبينوا لهم هذا الأمر , حتى تصح نياتهم وتصح عبادتهم , والله تعالى الموفق والهادي سبيل الرشاد .
والله تعالى أعلم
24/1/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الحج المبرور الذي يستحق أهله الجنة ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يقول السائل : هل يستحق جميع الحجيج الجنة ؟
وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل الحج وأجر الحجيج , فمن ذلك ما روى البخاري في ( صحيحه – باب فضل الحج المبرور , 2/553 , حديث رقم 1447 ) : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ورسوله ) , قيل ثم ماذا ؟ قال : ( جهاد في سبيل الله ) , قيل ثم ماذا ؟ قال : ( حج مبرور ) .
وروي أيضاً في نفس الباب (2/553 , حديث رقم 1449 ) عنه صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) .
ولا شك أن الإمام البخاري – رحمه الله – لما عنون للباب بقوله : فضل الحج المبرور , فإنه يرى أن هذه الفضائل الواردة في الأحاديث الثابتة في الباب خاصة بأصحاب الحج المبرور .
فما هو الحج المبرور الذي يستحق أهله الجنة ؟
نقل ابن حجر في ( الفتح 3/382 ) عن خالويه ( وهو من أهل اللغة ) : " أن المبرور هو المقبول " , وقال المناوي في ( فيض القدير 3/267 ) : " تمام البر بالكسر أن تعمل في السر عمل العلانية , إلى أن قال : أي لم يفعل شيئاً من الأمور الدنيوية غير الضرورية والحاجية " .
وقال السندي في ( حاشيته 5/112 ) : " الحجة المبرورة قيل هي التي لا يخالطها أثم مأخوذ من البر وهو الطاعة , وقيل هي المقبولة بالبر وهو الثواب , ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان , ولا يعاود المعاصي , وقيل هي التي لا رياء فيها , وقيل هي التي لا يعقبها معصية , وهما داخلان فيما قبلها ليس له جزاء إلا الجنة " .
وقال الطبري في تفسيره ( 3/382 ) : " اتقى فاجتنب ما أمره الله باجتنابه , وفعل ما أمره الله بفعله " .
ونقل ابن حجر في ( فتح الباري 3/382 ) , والمباركفوري في ( تحفة الأحوذي 3/454 ) : أن ترجيح النووي أن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم .
وقد ورد في الباب حديث أخرجه أحمد والحاكم والطبراني في معجمه ( الوسيط ) قيل وما برّه ؟ قال : ( إطعام الطعام وطيب الكلام ) , والحديث حسنه المباركفوري في ( تحفة الأحوذي 3/454 ) , وضعفه ابن حجر – رحمه الله – في ( الفتح 3/382 ) وقال : وفي إسناده ضعف فلو ثبت لكان هو المتعينة .
وأنت ترى أن الكلام عند أهل العلم متقارب لا تكاد تجد فيه اختلافاً إلا أن يكون بعضهم أجمل بينما غيره فصّل , أو أن يكون أحدهم يتكلم عن حقيقته كما فعل الطبري وغيره قد يتكلم على أثره كما نقل القرطبي في تفسيره ( 4/142 ) عن الحسن البصري – رحمه الله – قال : " الحج المبرور هو أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة " .
وعليه فالذي يبدو واضحاً أن العلماء – رحمهم الله – متقاربون في كلامهم , فالحج المبرور الذي يستحق صاحبه الجنة هو الحج الذي أتى صاحبه بكامل معانيه الظاهرة والباطنة .
أولاً : فالظاهرة : من الأركان والشروط والسنن واجتناب الرفث والفسوق والجدال وقد اختلفت أقوال أهل العلم في هذه الأوصاف , فأما الرفث فقد نقل ابن قدامة في ( المغني 3/125 ) عن ابن عباس وابن عمر والعطائين ومجاهد والحسن والزهري وقتادة هو الجماع , وقيل هو كل ما يكنى عنه من الجماع وهو قول ابن عباس .
وأما الفسوق فقد نقل القرطبي في تفسيره ( 2/208 ) عن مالك أنه الذبح للأصنام , وعن الضحاك أنه التنابز بالألقاب , وقيل هو السباب .
وأما الجدال فأنكر الطبري في تفسيره ( 2/276 ) أن يكون مطلق الجدال , فالجدال منه ما حق ومنه ما هو باطل لا يجوز , فالنهي عن الأخير دون الأول .
ثانياً : الباطن : وهو القصد والنية , إذ الأعمال بالنيات , وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ( 3/120 , حديث رقم 12642 ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " من حج هذا البيت لا يريد غيره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " .
وقد ذكر مثله الزرقاني في شرحه على الموطأ ( 2/532 ) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " من حج بنية صادقة ونفقة طيبة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " .
الخلاصة :
من حج محتسباً الأجر مخلصاً النية لله بمال طيب حلال وقام بأعمال الحج على الوجه المشروع وجبت له الجنة وغفر الله له ما تقدم من ذنبه كما رجح السندي في حاشيته ( 5/112 ) .
وأفضل من تكلم في بيان الحج المبرور هو القرطبي – رحمه الله – في تفسيره ( 2/408 ) إذ قال : " الأقوال التي ذكرت متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وُفيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل .
وهذا ترجيح ابن حجر في ( فتح الباري 3/282 ) , والمباركفوري ( 3/454 ) , وعزاه السيوطي في ( التوشيح ) .
والله تعالى أعلم
28/2/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو فضل العمل الصالح في العشر من ذي الحجة وصيام يوم عرفة ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
لقد دأب الإسلام أن جعل المسلم دائم الارتباط مع خالقه , في ليله أو نهاره , لا ينفك في لحظة من اللحظات عن عبادة ربه , ولا يفتر لسانه ولا يغفل قلبه ولا يشغل فكره عن ذكر خالقه أو التفكر في آلائه .
وقد شرع لنا الإسلام العبادات , منها المخصوصة في أزمنة وأمكنة , حددها لنا الشارع الحكيم , ومنها التي جعلها على إطلاقها , فمن تلك : تخصيص العبادات والصيام والإكثار من الدعاء والعمل الصالح في العشر من ذي الحجة .
فيستحب صوم العشر من ذي الحجة والإكثار من العمل الصالح فيها :
لما روى ابن عباس مرفوعاً قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر , قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) . [ رواه البخاري ]. والمراد به تسعة وإطلاق العشر عليها تغليباً . [ المبدع 3/53 ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ) . [ رواه البزار وإسناده حسن ورجاله ثقات ] .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة , قال : فقال رجل يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله , وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي , فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة ) . [ رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه ] .
يستحب للمضحي في هذه الأيام أن لا يأخذ من شعره وأظفاره :
وذلك لما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ولا يقلمن ظفراً ) . [ رواه مسلم 3/1565 ] .
صيام يوم عرفة والعمل الصالح فيه :
ويوم عرفة هو التاسع من ذي الحجة سمي به للوقوف بعرفة وتعارفهم فيها , وقيل : لأن جبريل عليه السلام عرّف إبراهيم عليه السلام الحج , وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه فأصبح يومه يتروى هل هذا من الله تعالى أو حلم , فسمي يوم التروية , فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضاً فأصبح يوم عرفة فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة , وقيل لأن الناس يتعارفون فيه , وقيل لأن آدم عليه السلام لما هبط وقع بالهند وحواء عليها السلام بجدة فاجتمعا بعد طول الطلب بعرفات , وتعارفا فسمي اليوم عرفة والموضع عرفات , قاله الضحاك , وقيل : سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم , إلى غير ذلك ... أنظر : [ المبدع – أبو إسحاق الحنبلي 3/52 , تفسير القرطبي 2/416 , الفروع – أبو عبد الله المقدسي 3/81 , المغني 3/58 ] .
يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم يكفر الله تعالى فيه الذنوب العظام ويضاعف فيه الصالح من الأعمال , وعند مسلم : قال صلى الله عليه وسلم : ( صيام عرفة يكفر سنتين ) وفي رواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه : ( سنة ماضية وسنة مقبلة ) . والمراد به تكفير الصغائر , فإن لم يكن له صغائر رجي التخفيف من الكبائر , فإن لم يكن رفعت له درجات . [ حكاه النووي في شرح مسلم ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة , وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) .
وهو أفضل الأيام لما روى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة , وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة يقول ما أراد هؤلاء ) .
وفي الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة , وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ) . [ تفسير القرطبي 2/419 ] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما من السنة يوم أحب إليّ أن أصومه من يوم عرفة " . [ مصنف ابن أبي شيبة 2/341 ] .
صيام يوم عرفة للحاج :
أكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة , لحديث أبي داود : ( نهى عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عرفة بعرفة ) , ولأنه صح ( أنه عليه الصلاة والسلام كان فيه مفطراً ) . [ مواهب الجليل – أبو عبد الله المغربي 2/401 ] .
وما روي عن أم الفضل بنت الحارث : " أن ناساً تماروا – تجادلوا – بين يديها , يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : صائم , وقال بعضهم : ليس بصائم , فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفات , فشربه النبي صلى الله عليه وسلم " . [ متفق عليه ] .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ؛ يعني يوم عرفة , ومع أبي بكر فلم يصمه , ومع عمر فلم يصمه , ومع عثمان فلم يصمه , وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه " . [ أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ] .
ولأن الصوم يضعف الحاج ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله تعالى فيه وإجابة دعائه به , فكان تركه أفضل , وقيل لأنهم أضياف الله تعالى وزواره . [ المغني 3/58 ] .
وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه , وقال قتادة : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء , وقال عطاء : أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف , لأن كراهة صومه إنما هي معلة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة . [ المغني 3/58 ] , وهو مذهب الحنفية , واختاره الآجري . [ المبدع 3/53 ] , وقال ابن المنذر : " الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إليّ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والصوم بغير عرفة أحب إليّ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " . [ تفسير القرطبي 2/421 ] .
يتضح مما تقدم فضل العمل الصالح والصيام في هذه الأيام وخاصة في هذا اليوم العظيم ومشاركة للحجاج في طاعة الله تعالى واغتنام هذه الساعات المباركة في مثل هذا اليوم العظيم المبارك التي تنزل فيه الرحمة والمغفرة .
والله تعالى أعلم
7/1/2005
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الثواب في كل مساجد مكة المكرمة مثل الثواب في حرم الكعبة المشرفة ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أولاً وقبل كل شيء لا بد من تعريف ( بالمسجد الحرام ) في اصطلاح العلماء , قال ابن حجر : قد يراد به مكة كلها مع الحرم حولها , وقد يراد به الكعبة فقط , وقد يختص بالموضع الذي يصلى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم , قال الطبري ويتأيد بقوله : ( مسجدي هذا ) لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة . [ فتح الباري 3/64 ] .
وسمي المسجد حراماً لأنه لا يحل انتهاكه فلا يصاد عنده ولا حوله . قال العلماء : وأريد بتحريم البيت سائر الحرم . [ المطلع على أبواب المقنع ص158 ] .
وخلاصة المسألة قولان عند العلماء :
الفريق الأول :
يرى أن المضاعفة تختص بالمسجد الحرام الذي حول الكعبة , وأن مضاعفة المائة ألف صلاة إنما يكون ذلك لمن صلى في المسجد المحيط بالكعبة ... وهو قول الحنابلة وابن مفلح . [ تحفة الراكع والساجد ص30 ] .
وذلك لما في صحيح مسلم عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن المسجد النبوي : ( صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ) .
ولما أخرجه البزار وحسّن إسناده من حديث أبي الدرداء مرفوعاً : ( الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة , والصلاة في مسجدي بألف صلاة , والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة ) .
فالصلاة في المسجد الحرام – أعني المسجد الذي فيه الكعبة – أفضل من مائة ألف صلاة وإنما يختص هذا الفضل في المسجد الذي فيه الكعبة دون غيره من مساجد مكة وبقاعها لأن الله تعالى قال في كتابه : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } . وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الذي هو جزء من الكعبة .
وهذا نص صريح على أن مساجد مكة لا تضاعف فيها الصلاة كما تضاعف في المسجد الحرام وإن كانت الصلاة في مساجد مكة او في الحرام كله أفضل من الصلاة في الحل لكن مائة ألف صلاة لا تكون إلا في المسجد الذي فيه الكعبة فقط .
فخص النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل ( مسجد الكعبة ) , ومن المعلوم أن المساجد في مكة ليست هي مساجد الكعبة إنما هي مساجد في الحرم , نعم الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل في الحديبية وبعضها من الحل وبعضها من الحرم صار نازلاً في الحل إلا أنه يصلي داخل حدود الحرم , وهذا يدل على إن الصلاة داخل حدود الحرم أفضل من الصلاة في الحل , وهذا أمر لا شك فيه , لكن المضاعفة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إلا مسجد الكعبة ) فلا نتجاوز ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم .
الفريق الثاني :
يرى أن ( المسجد الحرام ) يعم جميع الحرم , وإن كان للصلاة فيما حول الكعبة ميزة وفضل لكثرة الجماعة , وأن المساجد في مكة يحصل لمن صلى فيها التضعيف الوارد في الحديث , وإن كان ذلك قد يكون دون من صلى في المسجد الحرام الذي حول الكعبة ؛ لكثرة الجمع وقربه من الكعبة , ومشاهدته إياها , ولكن ذلك لا يمنع من كون جميع بقاع مكة كلها تسمى المسجد الحرام , وكلها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله . وإلى هذا ذهب الحنفية في المشهور , والمالكية , والشافعية . [ حاشية ابن عابدين 2/188 , شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ص30 , إعلام الساجد بأحكام المساجد ص119 , سبل السلام للصنعاني 2/217 ] .
قال تعالى : { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين } . [ التوبة : 7 ] .
وذلك أن عقد الهدنة والصلح تم في الحديبية وقد سماها الله تعالى { المسجد الحرام } . أنظر : [ تفسير الطبري 10/63 , تفسير ابن كثير 2/338 , تفسير الجلالين 1/241 ] .
وفي حديث : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ) ما رواه الطيالسي من طريق عطاء أنه قيل له : هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم ؟ قال : بل في الحرم لأنه كله مسجد . [ فتح الباري 3/64 ] .
وقال النووي : ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما يزيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله : ( مسجدي هذا ) , بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة , بل صحح النووي أنه يعم الحرم . [ شرح الزرقاني 2/3 ] .
ويبقى السؤال : هل التفضيل للفرض والنفل ؟
يرى جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة أن التفضيل للفرض والنفل , فعلى هذا لو صلاة نافلة في مسجد المدينة كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاه وهذا حكم المسجد الحرام . [ عون المعبود 3/256 ] .
وذهب الطحاوي إلى أن التفضيل مختص بصلاة الفريضة . [ فتح الباري 3/68 ] .
وإليه ذهب الفاسي المالكي وقال : وهو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة . [ تحفة الراكع والساجد ص30 ] . وابن عابدين , [ حاشية ابن عابدين 2/187 ] .
القول الراجح :
إن المضاعفة تختص بالمسجد الحرام الذي حول الكعبة , وأن مضاعفة المائة ألف صلاة إنما يكون ذلك لمن صلى في المسجد المحيط بالكعبة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا مسجد الكعبة ... ) , إلا إذا امتدت الصفوف خارج المسجد الحرام وإن وصلت المباني فإن مضاعفة المائة ألف صلاة تحصل لمن صلى في المسجد الحرام جماعة أو منفرداً , لأن النص جاء باللفظ العام ولم يرد ما يخصصه .
أما إذا انقطعت الصفوف , وصلى خارج المسجد الحرام سواء صلى في المساجد أو في المباني فإنه يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله , ولكن دون من صلى في المسجد الحرام الذي حول الكعبة ؛ لكثرة الجمع وقربه من الكعبة , ومشاهدته إياها , وكلها يحصل فيها .
يقول الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين : إن المضاعفة بهذا المقدار تختص بالمسجد المحاط حول الكعبة , ويدخل في ذلك زياداته القديمة والجديدة , فإن الزيادة لها حكم المزيد , والذين قالوا إن مكة كلها تدخل في المسجد الحرام ترتب على قولهم تساهل الناس , فكثير منهم يصلون في شققهم وفي منازلهم معتقدين أن مكة كلها من المسجد الحرام , فيتركون الصلاة مع أئمة الحرم جمعة وجماعة ويصلون أفراداً أو جماعات في المنازل وتفوتهم الحكمة في الصلاة . وأن مسألة التفضيل أو المضاعفة ما ذهب إليه جمهور العلماء : أن التفضيل للفرض والنفل .
وكما هو معلوم لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد وحصرها بعض العلماء في المساجد الثلاثة فهل يعتبر عاقل أن خارج المسجد أو الأبنية أو الأماكن السكنية في الحرم يصح فيها الاعتكاف ؟ [ سبل السلام 2/177 ] .
ويلاحظ أن أهل العلم لم يعتبروا الانقطاع الذي يحصل في صفوف المصلين جماعة داخل حدود أو ساحات المسجد , انقطاعاً فاحشاً تبطل به الصلاة وإن كان تواصل الصفوف هو الأفضل , أما إذا قطع الصفوف شارع مرور من الإسفلت ومرور الحافلات أو نهر أو ما شابه ذلك ... يعتبر هذا الانقطاع انقطاعاً فاحشاً مبطلاً للصلاة .
والله تعالى اعلم
20/5/2005
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والله تعالى أعلم
23/11/2007
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
امرأة فاجأتها الدورة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة , ماذا تفعل ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
ثبت في الصحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي فقال : ( أنفست ) يعني هل جاءت الحيضة ؟ فقالت : نعم , فقال : ( إن هذا شيء كتبه على بنات آدم , فاقضي ما يقضي الحاج , غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ) . [ رواه البخاري 290 و 305 , ورواه مسلم 1211 ] .
فهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم أن كل أعمال الحج يجوز أن تقوم بها المرأة وهي حائض ما عدا الطواف , فلها أن تقف بعرفة وترمي الجمرات , بل لها أن تسعى بين الصفا والمروة , إن فاجأها بعد الانتهاء من الطواف , فالذي تمنع الحائض منه هو الصلاة والطواف فقط . وبناءً على ذلك فإنه على هذه المرأة التي فاجأها الحيض عند الإحرام أن تحرم وتلبي وتلتزم بكل واجبات الإحرام والحج , حتى ينتهي العذر , فتغتسل ثم تطوف . ولكن السؤال الذي يطرح في هذا المقام هو ما الحكم لو أنها قامت بجميع واجبات الحج ولم يبق إلا الطواف وليس بإمكان القافلة أن تنتظرها ؟
أقول : إذا انتهت المرأة من أعمال الحج وبقي عليها الطواف وأرادت أن تسافر وليس بإمكانها تأجيل السفر إلى حين طهرها لضيق الوقت وتقرر موعد السفر , فإنه في هذه الحالة أن تتطهر على الرغم من وجود العذر وتطوف , وتذبح بدنة أي جمل أو شاة احتياطاً وليس من باب الوجوب ( والذبح يكون في الحرم ) .
وهذا كله بالنسبة لطواف الإفاضة أما بالنسبة لطواف القدوم فهو سنة فلا يجب عليها الطواف .
كذلك طواف الوداع الأخير لا يجب على الحائض والنفساء , لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه البخاري : ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ) .
وإنني أنصح بداية قبل أن تتحفظ الحائض وتطوف أن تتناول الأدوية التي تمنع الدم , فلعل ذلك ينفع ما لم يضر بصحتها .
والله تعالى أعلم
31/12/2004
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهلالُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
حكم من أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أو حجٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى المبارك:
يستحب الإهلال بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
[ المجموع شرح المهذب -النووي الشافعي (7 / 199)، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج -بن حجر الهيتمي الشافعي (14 / 436) والمبدع شرح المقنع، ابن مفلح الحنبلي (3/51)، والفروع للمرداوي الحنبلي (5/315)، الزركشي – إعلام المساجد (2032) ].
واحتجوا بما أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقى أبو يعلى والطبرانى وغيرهم عَنْ حُكَيمَة بنت أُمَيَّةَ بن الأخنس بن عبيد، أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ)، وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ)، وفي رواية: (مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ). قَالَتْ حُكَيمَة بنت أُمَيَّةَ بن الأخنس أُمِّ حَكِيمٍ: فَخَرَجْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ. إسناده صحيح.
صححه المنذري والمناوي والمرداوي وغيرهم... انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (2/121)، والتيسير بشرح الجامع الصغير للمناوى (2/786)، ومرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري (8/415)، وشرح المسند، السعاتي (11/112).
واحتجوا بما رواه مالك في الموطأ عن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر: أهَلَّ من إيلياء. وهي بيت المقدس. ثم انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (14/221)، والمغني لابن قدامة (6/353)، وفضائل بيت المقدس ضياء الدين المقدسي الحنبلي (1/89).
وقال إمام الأئمة أبو عبد الله الشافعى (الأم) (7/253): الإهلال من دون الميقات. قال الربيع: سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات؟ فقال: حسن، قلت له: وما الحجة فيه؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء يعنى-بيت المقدس-.
وإذا كان ابن عمر روى عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم: أنه وقت المواقيت ، وأهلَّ من إيلياء، وإنما روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما وقت المواقيت قال : يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته. فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه، ولكنه يؤمر أن لا يجاوزه حاجٌ ولا معتمرٌ إلا بإحرام اهـ . انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (14/221)، والمغني لابن قدامة (6/353)، وفضائل بيت المقدس ضياء الدين المقدسي الحنبلي (1/89)، ومشاركات الألفي (1/17).
وجاء في المحلى لابن حزم الظاهري (7/251) وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (3/235): عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبٍ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمِيرُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قال أبو محمد: فَكَانَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا صِحَاحًا كُلُّهَا.
وقال وأبو داود في سننه (5/61) رقم (1479): يرحم الله وكيعاً أحرم من بيت المقدس، يعني إلى مكة. وكذا نقله الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/496).
للعلماء معنيان "في أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ":
المعنى الأوّل: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ قَصَدَ العمرة مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَيَكُونُ إحْرَامُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، ليجمع فضيلة الصلاة في المساجد الثلاثة. انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي الحنبلي (6/371). الفروع لابن مفلح الحنبلي (5/320).
المعنى الثاني: أَيْ قَصَدَ العمرة مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بإحرام، وهو فعل جمع من الصحابة والتابعين.
إذا نوى الإحرام من المسجد الأقصى فيجب عليه أن ينتبه إلى محظورات الإحرام.
اختصاص الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بالإحرام:
قال ابن مفلح في المبدع شرح المقنع (3/51): ليجمع بين الصلاتين من المسجدين في إحرام واحد بدليل أن ابن عمر أحرم منه ولم يكن يحرم في غيره إلا من الميقات. ونحوه قال المرداوي في الفروع وتصحيح الفروع (5/315)، وكذا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/608).
وجاء في فيض القدير للمناوي (6/118): قال الطيبي: إنه لا إهلال أفضل وأعلى من ذلك لأنه أهل من أفضل البقاع ثم انتهى إلى الأفضل أي مطلقا. فلا غرو أن يعامل معاملة الأفضل فيغفر له.
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
18 ذو الحجة 1430هـ الموافق: 5/12/2009م