بسم الله الرحمن الرحيم
صفة غسل الميت
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله الطاهرين وبعد:
غسل الميت:
يرى جمهور العلماء أن غسل الميت المسلم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن جميع المكلفين، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم به، ولمحافظة المسلمين عليه. وتجب نية الغسل على الغاسل.
ودليل وجوب غسل الميت ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال في المُحْرِمِ الَّذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ"{رواه البخاري:1208، ومسلم:1206].[وقصته: رمته وداست عنقه. السدر: شجر النبق. وهو نوعان: أَحدهما بَرِّيّ لا ينتفع بثمره ولا يصلح ورقه للغَسُولِ وثمره عَفِصٌ لا يسوغ في الحلق والعرب تسميه الضالَ. والسدر الثاني ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العُنَّاب وورقه كورقه غير أَن ثمر العناب أَحمر حلو وثمر السدر أَصفر مُزٌّ يُتَفَكَّه به. انظر: لسان العرب(4/354)]. وَالأَْصْل فِيهِ: تَغْسِيل الْمَلاَئِكَةِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لآِدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ قَالُوا : يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ.{أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند. وقال الهيثمي:"رجاله رجال الصحيح غير عتي بن ضمرة وهو ثقة}
{انظر: ابن عابدين(1/112،113)، وبدائع الصنائع(1/299،300)، والاختيار لتعليل المختار(1/91)، ومواهب الجليل(2/207)، والشرح الصغير(1/523)، وروضة الطالبين(2/98)، وحاشية الجمل(2/143)، ونيل المآرب(1/220)}.
صفة الغسل:
أول أعمال التجهيز هو الغسل وله كيفيتان:
الكيفية الأولى:
وهي أقل ما يتحقق به معنى الغسل ويرتفع به الإثم، هي: أن يزال ما قد يكون على جسمه من النجاسة، ثم يعمم سائر بدنه بالماء.
الكيفية الثانية:
وهي أكمل ما تتحقق به السنة، أن يتبع غاسله ما يلي:
أولاً: يوضع الميت في مكان خال على مرتفع كلوح ونحوه، وتستر عورته بقميص أو نحوه. ولا يحضر عند غسله إلا من تدعوا الحاجة إلى حضوره. وينبغي أن يكون الغاسل ثقة أمينا صالحا، لينشر ما يراه من الخير، ويستر ما يظهر له من الشر. فعند ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليغسل موتاكم المأمونون".
ثانياً: يجلسه الغاسل على المغتسل مائلاً إلى الوراء، ويسند رأسه بيده اليمنى، ويمر بيده اليسرى على بطنه بتحامل وشده ليخرج ما قد يكون فيه، ثم يلف يده اليسرى بخرقة أو قفاز ويغسل سوأتيه، ثم يتعهد فمه ومنخريه فينظفها، ثم يوضئه كما يتوضأ الحي.
ثالثاً: يغسل رأسه ووجهه بصابون ونحوه من المنظفات، ويسرح شعره إن كان له شعر، فإن نتف منه شئ أعاده إليه ليدفنه معه.
رابعاً: يغسل كامل شقه الأيمن مما يلي وجهه، ثم شقه الأيسر مما يلي وجهه أيضاً، ثم يغسل شقه الأيمن مما يلي القفا ثم شقه الأيسر مما يلي القفا أيضاً، وبذلك يعمم جسمه كله بالماء. فهذه غسلة أولى، ويسن أن يكرر مثل هذه الغسلة مرتين أخريين، وبذلك يتم غسله ثلاث مرات، وليمزج بالماء شيئاً من الكافور في الغسلة الأخيرة، إذا كان الميت غير محرم.
والدليل على ما سبق: ما رواه البخاري(156)؛ ومسلم(939)، عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته فقال:"اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً، و شيئاً من كافور، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها".
[الكيفية: يؤخذ ورق السدر ويدق ويمزج بماء التغسيل. الكافُور: نوع من الطيب].
فإن كان محرماً، غسل كغيره، دون أن يمس كافوراً أو غيره مما له رائحة طيبة.
قال ابن المنذر: فإذا كان الميت امرأة ندب نقض شعرها وغسل وأعيد تضفيره وأرسل خلفها، ففي حديث أم عطية: أنهن جعلن رأس ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون.
قلت: نقضنه وجعلنه ثلاثة قرون. قالت: نعم. وعند مسلم: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون: قرنيها وناصيتها. وفي صحيح ابن حبان الامر بتضفيرها من قوله صلى الله عليه وسلم:"واجعلن لها ثلاثة قرون".
فإذا فرغ من غسل الميت جفف بدنه بثوب نظيف، لئلا تبتل أكفانه، ووضع عليه الطيب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أجمرتم الميت فأوتروا ".{رواه البيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه}.
جاء في فيض القدير(1/421):"(إذا جمرتم الميت) المسلم أي بخرتموه يقال جمر ثوبه تجميرا أبخر والمجمرة بكسر الميم وفي المصباح عن بعضهم أن المجمر بحذف الهاء ما يتبخر به من نحو عود وهي لغة في المجمرة وقال الكمال ابن الهمام وكيفية تجميره أن يدور من بيده المجمرة حول سريره وترا كما قال (فأوتروا) أي بخروه وترا ثلاثا فإن الله وتر يحب الوتر قال : وجميع ما يتبخر به الميت ثلاثا عند خروج روحه لإزالة الريح الكربه وعند غسله وعند تكفينه ولا يبخر خلفه ولا في القبر لخبر لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار انتهى".
فإن لم يجمر يطيب بما حضر مما له رائحة طيبة. قال أبو وائل: كان عند علي رضي الله عنه مسك، فأوصى أن يحنط به، وقال: هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جاء في شرح عمدة الأحكام(6/27):"والتحنيط: هو تطييب الميت بعد أن يغسل، فالحنوط: طيب يجمع من أنواع من العطورات، كالورد والمسك وما أشبههما، فتجمع وتسحق، ثم بعدما ينتهون من تغسيله يجعلون من ذلك الطيب بين إليتيه وفي إبطيه، وفي بطون ركبتيه، وكذلك في سرته وتحت حلقه، وفي أذنيه، وفي المواضع الرقيقة منه، وقد يجوز أن يطيب كله، فهذا يسمى الحنوط.
وكل ميت يحنط إلا المحرم، وذلك لأن المحرم باق على إحرامه بعد موته، فلا يحنط -أعني: لا يطيب-، كما أن المحرم في حياته لا يقرب الطيب؛ لأن الطيب من المرفهات، فكذلك بعد موته، أما غير المحرم فيحنط، فيجعل فيه من أنواع هذه الأطياب، والسبب في ذلك ألا تتغير رائحته بسرعة، وأن يبقى معه رائحة طيبة بعد دفنه".
وحكمة وضع الكافور ما ذكره العلماء من كونه طيب الرائحة، وذلك وقت تحضر فيه الملائكة. وفيه أيضا تبريد، وقوة نفود، وخاصة في تصلب بدن الميت، وطرد الهوام عنه ومنع إسراع الفساد إليه، وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها.
{انظر: الإختيار لتعليل المختار(1/97)، المجموع شرح المهذب(5/128وما بعدها)، الفقه المنهجي(1/163)، الموسوعة الفقهية الكويتية(13/50)، فقه السنة(1/514-515)}
خامساً: تُسدّ المنافذ المفتوحة بالقطن كفتحة الشرج، أو جرح يسيل منه دماً.
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
30 ربيع أول 1432هـ الموافق 5/3/2011م