حكم شراء الأصوات في الانتخابات
تاريخ:
21/9/13
عدد المشاهدات:
9500
رقم الفتوى:
669
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم شراء الأصوات في الانتخابات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه الطاهرين وبعد:
الصوت أمانة، وعلى الناخب أن يعمل بمقتضياتها وألا يضيعها؛ لأن التضييع خيانة، والله (تعالى) يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ([الأنفال:27]
والأمانة تقتضي أن يختار الناخب المرشح الثقة، العدل، الأمين، الوقاف على حدود الله تعالى والقادر على إدارة المؤسسة والهيئة التي سينتخب لإدارتها وتنظيمها. قال (تعالى): )إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ([القصص:26].
أما شراء الأصوات وبيع الضمائر، والتصويت لمن يدفع أكثر فهو من باب خيانة الأمانة، ويحرم على الناخب والمرشح أن يتعاملا مع الانتخابات وفق هذه الدائرة الضيقة؛ لأن ذلك يؤدي إلى إسناد الأمر إلى غير أهله، قال (صلى الله عليه وسلم): "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:"إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"[رواه البخاري].
ومن غير اللائق بالناخب أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق بالمرشح أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون مجالس البلديات وغيرها قائمة على شراء الضمائر والعائلية المقيتة والعصبية النتنة، وليس على الكفاءة. وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟! وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟! إن المنطق يقول بأنه سيحاول أن يسترد ما دفع من خلال استغلاله لمنصبه، واستغلال المنصب للمصالح الشخصية حرام شرعاً وجريمة يحاسب عليها القانون.
والتصويت شهادة سيسأل عنها المرء أمام الله تعالى، قال المولى (عز وجل): )سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ([الزخرف:19]. ومن وضع صوته في مقابل مال أو دونه ولم يتحر الأمثل والأنسب وفق المعايير الشرعية لتولي الولايات فقد شهد شهادة زور؛ لأنه يشهد لإنسان بأنه أهل للولاية ويُمْكِنه من التسلط على رقاب المسلمين وهو لا يستحق.
وشراء الأصوات يندرج تحت الرشوة التي لعن فيها المعطي والآخذ والواسطة بينهما. فالرشوة هي بذل مال وما في معناه لإبطال حق أو لإحقاق باطل، فهي ما يبذله الإنسان من مال أو منفعة أو خدمة لغيره ليتوصل به إلى تحقيق مصلحة له، وهذا مؤدى شراء الأصوات ومآله.
يقول الأستاذ الدكتور وليد الربيع أستاذ الشريعة بجامعة الكويت :"العملية الانتخابية إجراء قانونى يحدد نظامه ووقته ومكانه في دستور أو لائحة ليختار على مقتضاه شخص أو أكثر لرئاسة مجلس أو نقابة أو عضويتها أو نحو ذلك ، فهي عملية قانونية يقوم الشعب فيها بانتخاب من يمثله لمباشرة شؤون السلطة نيابة واستقلالا عنه .
ويمكن تكييف الانتخابات من الجهة الشرعية على أحد أمرين :
الأول: أنه شهادة من الناخب بصلاحية من انتخبه للقيام بما سيعهد إليه من وظيفة وولاية عامة .
الثاني: أنه تزكية من الناخب للمرشح والتزكية في باب القضاء هي تعديل الشهود عند القاضي وقد قرر الفقهاء أن شهود التزكية يتفقون مع شهود الدعوى في أمور منها أنه يشترط في كل منهما العقل الكامل والضبط والولاية والعدالة والبصر والنطق وألا يكون الشاهد محدودا في قذف وعدم القرابة المانعة من قبول الشهادة وألا تجر الشهادة على الشاهد نفعا .
وبناء على ما تقدم يتضح أنّ الانتخاب إمّا شهادة وإمّا تزكية من الناخب للمرشح وفي الحالتين لا يجوز للشاهد أخذ مال مقابل شهادته، وإذا أخذها سقطت عدالته لأن ذلك من قبيل الرشوة المحرمة شرعا" .
إنّ الاختيار عن طريقِ الانتخاب المباشر أمر له خطورته في بناءِ الأمة وعلى كيانها، ويجب أن يوضع في مكانه الصحيح فوق المساومات، والبيع والشراء. فالصوت أمانة وشهادة وتزكية، والهدف اختيار الأصلح الذي يسهر على مصالح الجماعة، ويعمل على جمع كلمتها ورقيها، وسعادتها، ويجنبها الزلل، ويتبنى قضاياها.
{انظر: دائرة الإفتاء العام، الأردن، موقع على الإنترنت، فتوى رقم 933، بعنوان:"حكم شراء الأصوات في الانتخابات النيابية"، إخوان الدقلهية، موقع على الانترنت، فتوى بعنوان:"حكم شراء الأصوات في الانتخابات" للشيخ محمد عبد الله الخطيب، من علماء الأزهر الشريف}
ومن ولّى على المسلمين رجلاً أو ساهم في ذلك وعرف أنّ فيهم من هو خير منه، فقد أوقع نفسه في فتنة ومحنة ليس لها من دون الله كاشفة، عن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) حين بعثني إلى الشام، يا يزيد: إن لك قرابة، عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكثر ما أخاف عليك بعدما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فأمَّر عليهم أحداً محاباة، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، حتى يدخله جهنم"[رواه الحاكم في المستدرك وقال(4/104):"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"]. وفي الحديث:"أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممّن استعمل فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين"[أخرجه أبو يعلى في "مسنده". قال البوصيري في اتحاف الخيرة المهرة(4/261):"له شواهد في كتاب الإمارة"].
وويل لمن غش الله ورسوله وغش المسلمين، فقد جاء الوعيد الشديد والتهديد الأكيد لمن فعل ذلك في حديث معقل بن يسار (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:"ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية، يموت يوم يموت وهو غاش رعيته، إلا حرم الله تعالى عليه الجنة"، وفي رواية:"فلم يحطها بنصحه، لم يرح رائحة الجنة"[رواه البخاري ومسلم] .وعلى ذلك فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين أو بمقدوره أن يولي أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه، وأمثلهم وأفضلهم، أداء للأمانة، وبعداً عن الخيانة. [الموسوعة الفقهية(45/146)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "السياسة الشرعية"(17):"فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة، أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله (تعالى):{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
الأثنين، 11 ذو القعدة 1434هـ الموافق 16/9/2013م