الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
المقصود بالتوسل بالنبي أن يقول الشخص: اللهم إني أسألك بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وليس المقصود الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
لا مانع من التوسل بجاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكذلك سائر الأنبياء وهو القول المعتمد في المذاهب الأربعة بل نصّ جمعٌ منهم على الإستحباب، وممّن أيّد التوسل بجاهه صلّى الله عليه وسلم الإمام الشوكانيّ كما وصرّح الشيخ محمّد بن عبد الوهاب بعدم التّحريم وأنّها من المسائل الفقهية الفرعية التي لا ينبغي إنكارها ولكنّه قال بالكراهة.
للإطلاع على نصوص المذاهب الأربعة؛ انظر:
أولا: مراجع الحنفية: شرح فتح القدير، لإبن الهمام، ( 3\169 )، دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1415هـ \ 1995 .
ثانيا: مراجع المالكية: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، للعلامة أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، وبهامشه حاشية العلامة الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي، ( 2 \ 72 )، طبعة دار المعارف، القاهرة .
ثالثا: مراجع الشافعية: [كتاب المجموع شرح المهذب، للنووي، ( 8 \ 256 – 257، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع]. وانظر: كتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام الباب الثامن، للإمام السبكي، ص161. وكتاب ( الإقناع ، للشربيني ،ج1\ ص 374 ).
رابعا: مراجع الحنابلة: كتاب الإنصاف، للمرداوي، الحنبلي الإنصاف (2/456). وكتاب المغني، لإبن قدامة، (ج3 \ 600).
خامسا: رأي الشوكاني رحمه الله تعالى بالجواز. انظر: (كتاب تحفة الذاكرين ص (37).
ونختم بكلام الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: حيث جاء من ضمن رسائله لأهل القصيم: " فكون بعضهم يرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه، فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد..." انظر: فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ).
أدلة مشروعية التوسل بجاهه صلّى الله عليه وسلّم عند القائلين به:
1- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ }. ( سورة المائدة آية 35 ).
والوسيلة كل سبب يقربك إلى الله تعالى ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأسباب المؤدية إلى رضا الله تعالى والتوسل الى الله تعالى بجاهه صلّى الله عليه وسلّم هو في الحقيقة توسل بحبه.
الأدلة من السنة:
أولا: بما رواه الحاكم وابن خزيمة في صحيحه عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أنّه قال: "أنّ رجلًا ضريرًا أتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ فقال: يا نبيَّ اللهِ ادعُ اللهَ أنْ يعافيَني. فقال: إنْ شئْتَ أخرْتُ ذلك فهوَ أفضلُ لآخرتِكَ، وإنْ شئْتَ دعوْتُ لكَ قال: لا بلْ ادعُ اللهَ لي . فأمرَهُ أنْ يتوضأَ وأنْ يصليَ ركعتينِ وأنْ يدعوَ بهذا الدعاءِ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ نبيِّ الرحمةِ ، يا محمدُ إنِّي أتوجَّهُ بكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذه فتَقضى، وتُشفعُني فيه وتشفعُهُ فيَّ. قال: فكان يقولُ هذا مرارًا، ثم قال بعدُ – أحسبُ أنَّ فيها: أنْ تُشفعَني فيه – قال : ففعلَ الرجلُ فبرأَ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وقال الأعظمي إسناده صحيح.
ورواه الترمذي في جامعه بلفظ : " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في". وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي. وصححه الألباني.
إلى غير ذلك من الأدلة ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب المذاهب الأربعة والذي يهمنا في هذا المقام أنّ التوسل بجاه النبي صَلَّى الله عليه وسلّم ليس مسألة عقدية وإنما هي مسألة فقهية اجتهادية فرعية فمن شاء أخذ بقول المجيزين ومن شاء لم يأخذ ولكن الأهم في الأمر هو عدم تكفير كل فريق للآخر أو تضليله فهذا يخالف منهج أهل السنة حتى أنّ الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وإن رجّح المنع ولكنّه لم يفسّق ولم يضلّل من يتوسل إلى الله تعالى بجاه نبيه صلّى الله عليه وسلّم.
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء