المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
قال أحد الشعراء : « فلا وأبيك ما في العيش خير ...ولا الدنيا إذا ذهب الحياء... يعيش المرء ما استحيا بخير ...ويبقى العود ما بقي اللحاء »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبي ذر رضي الله عنه أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يُصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: ( أوليس الله جعل لكم ما تصدقون به إن لكم بكل تسبيحة صدقة , وكل تكبيرة صدقة , وكل تحميدة صدقة وكل تهليله صدقة , وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ,وفي بُضع أحدكم صدقة ) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال:( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ).
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
خطورة ظاهرة الغلو في التكفير
تاريخ: 20/11/19
عدد المشاهدات: 7589
رقم الفتوى: 350

خطورة ظاهرة الغلو في التكفير ومحاذيرها الشرعية ومن له الحق بالحكم على الآخر بالردة والفرق بين اعتبار الفعل  أو القول كفراً  وتكفير المعيّن في ميزان أهل السنة والجماعة  ؟
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله ، وبعد :
 
إنّ من مظاهر الانحراف في زماننا الغلو في التكفير، وهي ظاهرة قديمة حديثة، ابتلي بها سلفنا الأول وأدت إلى ويلات عظام وخطوب جسام، فتنة أراقت الدماء واستباحت الحرمات. فقد عرف التاريخ الخوارج الذين يكفرون بالذنب والمعتزلة الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة ليس بكافر ولا مؤمن في الدنيا؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين. وكان لهذا الغلو والتشدد آثاره السلبية على المجتمع الإسلامي لعدة أجيال، وبسببه قتل الخليفة عثمان (رضي الله عنه) وأدخلوا السيف في ظهره وهو يقرأ القرآن ، وظلت الأمة ترزح زمنا تعاني من ويلات هذا الفهم السقيم ثم لم يلبث الفكر الإسلامي أن فرغ من فتنة التكفير واستقر على ما عليه أهل السنة والجماعة الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة في الدنيا مؤمن بإيمانه وفاسق بكبيرته وفي الآخرة إذا مات من غير توبة هو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه ابتداء وأدخله الجنة وإن شاء عذبه، وإن عذبه لا يخلده في النار بل يخرجه منها .
[انظر: حاشية ابن عابدين(4/230)، الاعتصام للشاطبي(1/22)، تحفة المحتاج(3/90)، مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية(5/201)]
 
وجاء في متن العقيدة الطحاوية التي هي بيان عقيدة أهل السنة والجماعة لأبي جعفر الطحاوي الحنفي ص 21:"ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله. ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله. ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم...ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه".
 قال ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية ص(214):"أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه وأقر بلسانه، وامتنع عن العمل بجوارحه: أنه عاص لله ورسوله، مستحق الوعيد".
 
قال ابن تيمية في أحكام عصاة المؤمنين ص (48):"لا يكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة: وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرا، فيطلق الأمر بتكفير صاحبه، ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.
وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول:{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}النساء:10. فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه الوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط، أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع.
وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وجماهير أئمة الإسلام".
 
قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج(3/90):"ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا".
 
قال الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد ص (81):"والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً. فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".
 
قال الشوكاني في السيل الجرار ص(978):"أقول: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما"هكذا في الصحيح[البخاري]، وفي لفظ آخر في الصحيحين [البخاري ومسلم]، وغيرهما:"من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"، أي رجع وفي لفظ في الصحيح: "فقد كفر أحدهما"، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير، وقد قال الله عزوجل:{مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}[النحل:106]، فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه ".
 
فجميع النّصوص السابقة تؤكّد على أنّ مخاطر التكفير جسيمة على الفرد والجماعة بل على الإسلام عامة، فهذه الظاهرة تؤدي إلى  اختلال الأمن العام للمسلمين: الأمن العقدي والفكري والديني والاجتماعي والسياسي والعسكري، والأمن الأسري، والأمن النفسي.... فقد بلغ ببعض أفراد تلك الطائفة أن استحلت الأموال العامة بحجة كفر الحكومات والقائمين عليها وسعت إلى اتلاف ما أمكن اتلافه ومصادرة ما أمكن ومحاولة زعزعة الأمن وإخافة الآمنين وإيذائهم وذلك كله بسبب التكفير واستباحة الدماء والأموال.
 
وعلاوة على ذلك فإنّ أعداء الإسلام قد استغلوا هذا الفكر  لتشويه صورة الإسلام  وتسويقه بأنّه  دين إرهاب وقتل وسرق ونهب للتنفير منه من ناحية ولوأد المشروع الإسلامي والصّحوة الإسلامية وإجهاضها من ناحية أخرى ...
 
نعم للإسلام نواقض، من فعلها خرج من ملة الإسلام ولكن لا بد من التحقق من وجودها وفق طرائق الإثبات المقررة في شريعتنا وبعد الإطمئنان بانتفاء جميع موانع التكفير من إكراه وجهل وشبهات واحتمال تأويل  ونحو ذلك ، فقد روي عن الإمام مالك قوله : " لو احتمل المرء الكفر من تسعة وتسعين وجها واحتمل الإيمان من وجه لحملته على الإيمان تحسينا للظن بالمسلم " .
 
ومن الجدير بالذكر أنّه ليس لفرد أو لجماعة أو لتنظيم الحق بإصدار أحكام التكفير على الأشخاص وإنّما ذلك متروك للقضاء الرّسمي العادل إن وجد وإلاّ فلا بدّ من إصدار حكم شرعي من مجمع فقهي عالمي يجمع العشرات بل المئات من العلماء الرّاسخين الثقات ممّن يوثق بعلمهم وبسمعتهم الطيبة وبخبراتهم الدّعوية  من مختلف أنحاء وأرجاء العالم الإسلامي وإلاّ عمّت الفوضى وساد حكم الغاب .


 
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
4 محرم 1436 هـ الموافق 28.7.2014 م