المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
عن مجاهد قال : « لو أن المسلم ، لم يصب من أخيه ، إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " رواه مسلم .
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
س1: ما هو موقف الإسلام من الاحتراز من الأمراض الوبائية، وهل يعترف بالعدوى؟
تاريخ: 23/2/13
عدد المشاهدات: 3867
رقم السؤال: 12330

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لقد سبق الإسلام التنظيمات الوضعية في الاحتراز والوقاية من الأمراض، وهذا ما تنطق به النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها قوله:"فر من المجذوم فرارك من الأسد"{متفق عليه}، المجزوم هو المصاب بالجذام. وهو مرض يصيب الجلد فيقطعه ويسقطه.{المصباح المنير(53)}. والظاهر من الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر باجتناب المجذوم والابتعاد عنه خشية من أن يبتلى المخالط بذات المرض. وفي صحيح مسلم: أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي (صلى الله عليه وسلم):"ارجع فقد بايعناك". ويذكر عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"كلم المجذوم وبينك وبينه قدر رمح أو رمحين". وعند ابن ماجة:"لا تديموا النظر إلى المجذومين"{صحيح. انظر: صحيح ابن ماجة للألباني(2/271)}. وقال (صلى الله عليه وسلم):"لا يورد ممرض على مصح"{رواه مسلم}. والممرض: الذي إبله مراض، والمصح: الذي إبله صحاح. ومعنى لا يورد عليه، لا يخلط المريضة الجرباء بالصحيحة أثناء ورود الماء.

بل لقد سبق الإسلام ما يسمى في العصر الحاضر بالحجر الصحي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):"إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها" {رواه البخاري}.

وما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:"لا عدوى ولا صفر ولا هامة". فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب، فيجربها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"فمن أعدى الأول".

فالمراد منه أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي (صلى الله عليه وسلم) اعتقادهم ذلك و بيَّن لهم أن الله هو الذي يُمرِض و يشفي. أي أن المرض يكون من قدر الله على الإنسان وليس من العدوى. وهو يؤكد أن العدوى لا تحصل بذاتها وإنما تحصل بقدر الله (تعالى) وبقدرته.. فإذا شاء جعل هذه الأسباب سارية.. وإن شاء سلبها قدرتها على التأثير بأسباب أخرى تعارضها وتضادها.
وحدوث المرض يعتمد على عاملين اثنين:

أولا- قوة الميكروب ذاته.

ثانيا- درجة مقاومة الجسم في أثناء الإصابة بالميكروب.

لذلك فمجرد وجود الميكروب لا يعني حدوث العدوى.. أي أن تواجد أحدنا مع المريض لا يعني بالضرورة حدوث العدوى.. لذا فقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وأكد أن العدوى بيد الله (سبحانه وتعالى) إن شاء صرفها وإن شاء جمعها فكان المرض وكانت العدوى.

فالمسلم يوقن بأن الله (تعالى) هو مسبب المرض، وليس الشخص الآخر المصاب، فقد تنقل الكمية نفسها من الميكروبات إلى كائنين من نفس النوع، فيصاب أحدهما ويسلم الآخر. فقوله "لا عدوى" يفيد أن العدوى لا تتحقق بمجرد وجود موجباتها وأسبابها، بل ذلك راجع إلى مسبب الأسباب (سبحانه وتعالى)، وهذا مما يجب على المسلم اعتقاده.

لقد عرض ابن حجر في الفتح الباري(10/161) مسالك العلماء في الجمع بين الأخبار النافية للعدوى والتي في ظاهرها الإثبات فقال:"المسلك الخامس: أن المراد ينفي العدوى أن شيئا لا يعدي بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئا، وإن شاء أبقاها فأثرت".

وقال النووي في شرحه على مسلم(7/372):"حَدِيث(لَا عَدْوَى)، الْمُرَاد بِهِ نَفْي مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَزْعُمهُ وَتَعْتَقِدهُ أَنَّ الْمَرَض وَالْعَاهَة تَعَدَّى بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْلِ اللَّه تَعَالَى. وَأَمَّا حَدِيث(لَا يُورِد مُمْرِض عَلَى مُصِحّ) فَأُرْشِدَ فِيهِ إِلَى مُجَانَبَة مَا يَحْصُل الضَّرَر عِنْده فِي الْعَادَة بِفِعْلِ اللَّه تَعَالَى وَقَدْره. فَنَفَى فِي الْحَدِيث الْأَوَّل الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا، وَلَمْ يَنْفِ حُصُول الضَّرَر عِنْد ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّه تَعَالَى وَفِعْله، وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى الِاحْتِرَاز مِمَّا يَحْصُل عِنْده الضَّرَر بِفِعْلِ اللَّه وَإِرَادَته وَقَدَره. فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَصْحِيح الْحَدِيثَيْنِ وَالْجَمْع بَيْنهمَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء، وَيَتَعَيَّن الْمَصِير إِلَيْهِ".

وعليه فإن على المسلم أن يأخذ كافة الاحتياطات لتوقي الأوبئة امتثالا لهدي النبي (صلى الله عليه وسلم) مع اعتقاده أن المرض لا يقع على الإنسان ولا يصيبه إلا بإذن الله ومشيئته، ولا يوجد شيء يعدي بطبعه بل كل الأمر راجعة إلى تقدير الله واختياره.

إعداد:

د.حسين وليد

15شعبان1430هـ6/8/2009م