بسم الله الرحمن الرحيم

هل الاستعدادات المادية في حالات الطوارئ كالحرب ونحوها ينافي التوكل؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لقد أمر الله تعالى بالتوكل عليه في أكثر من آية وحديث، فمن ذلك قوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }. [ الطلاق: 3 ]. وقد تكلم العلماء في حقيقة التوكل وماهيته، ومجمل الكلام عندهم أن التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب دون الاعتماد عليها.

فقد أخرج بن حبان في صحيحه ( 2/510، حديث رقم 731 ): قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: " ارسل ناقتي وأتوكل؟ " قال: ( إعقلها وتوكل ).

أخرج البيهقي في ( شعب الإيمان – 2/81، حديث رقم 1215 ): " عن معاوية بن قرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى على قوم فقال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، فقال: بل أنتم المتكلون، ألا أخبركم بالمتوكلين: رجل ألقى حبة في بطن الأرض ثم توكل على ربه ".

وقال ابن رجب الحنبلي: " واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها وجرت سنته في خلقه بذلك فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له والتوكل بالقلب عليه إيمان ". [ جامع العلوم والحكم 1/437 ].

قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم... }. [ النساء: 71 ] .

وقال تعالى: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل... }. [ الأنفال: 60].

وقال تعالى: { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله... }. [ الجمعة: 10 ].

وفي الحديث: ( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ... ). [ رواه الترمذي وقال: حديث حسن ]. ووجه الدلالة في الحديث أن الطير أخذ في السبب بحثاً عن الرزق ولم ينتظر في عشه حتى يأتيه، مما يعني أن التوكل لا ينافي الأخذ بالسبب.

وجاء عن إبراهيم الخواص قال: التوكل تناول السبب لله. انظر: [ شعب الإيمان 2/100 ].

ونقل ابن رجب عن سهل التستري قال: " من طعن في الحركة –  يعني السعي والكسب ويقاس عليهما غيرهما – فقد طعن في السنة , ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان ". [انظر:جامع العلوم 1/437 ].

ونقل الأصفهاني في ترجمة لمسلم بن يسار أنه كان يقول: " اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصبه إلا ما كتبه الله عز وجل له ". انظر: [ حلية الأولياء 2/292 ].

الخلاصة :

الاستعداد للحرب بتجهيز الحاجيات لا ينافي التوكل إذا لم يكن الاعتماد على هذه الحاجيات ظناً أنها النافع والدافع، بل يندب للعبد أن يتخذ الأسباب { خذوا حذركم }.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد للحرب كحفر الخندق، ولبس دروع الحرب ولأمته، ونقل تخزينه الطعام لسنة.

لذا تخزين الطعام والأدوية وغيرها من وسائل الوقاية لا ينافي التوكل.

والله تعالى أعلم

14/3/2003