بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يستح للمريض – وبخاصة إذا حضرته أسباب الوفاة – أن يكون حسن الظن بالله تعالى على معنى أن يغلب الرجاء في رحمة الله على جانب الخوف من عذابه , وأن يتذكر عظيم كرمه وجميل عفوه وواسع مغفرته وسابغ فضله وقديم إحسانه وبره , ويستحضر ما معد به أهل التوحيد وما يدخره لهم من الرحمة يوم القيامة , وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يؤمن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ) . [ أخرجه مسلم ] .
ويؤيد ذلك الحديث القدسي حيث يقول تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ) . [ أخرجه البخاري ] .
وقال ابن عباس : " إذا رأيتم الرجل بالموت – يعني حضور مقدماته – فبشروه ليلقى ربه وهو حسن الظن به , وإذا كان حياً – يعني صحيحاً – فخوفوه بربه عز وجل " . وإذا تأخرت حالة المريض وغدا على أبواب الموت وهي اللحظات التي يودع فيها الدنيا ويستقبل الآخرة ويعبر عنها بحالة ( الاحتضار ) فينبغي لأحب أهله إليه أن يلقنوه ( لا إله إلا الله ) كلمة التوحيد , وكلمة الإخلاص , وكلمة التقوى , وهي أفضل ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله .
هي الكلمة التي استقبل بها الحياة يوم ولد , وأذّن بها في أذنه , وهي نفسها التي يودع بها الحياة , فهو يستقبلها بالتوحيد ويودعها بالتوحيد .
قال علماؤنا : يستحب أن يلي المريض أرفق أهله به , وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه تعالى , ليذكره بالله تعالى , والتوبة من المعاصي , والخروج من المظالم , وإذا رآه منزولاً به تعهد حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه ويندي شفتيه بقطنة , لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة , ويسهل عليه النطق بالشهادة , ويلقنه ( لا إله إلا الله ) لما روى مسلم عن أبي سعيد مرفوعاً : ( لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله ) . سمي المحتضر ميتاً , باعتبار ما يؤول إليه لا محالة .
والجمهور على أن هذا التلقين مندوب , وحكمة تلقين الشهادة : أن تكون هي آخر ما يموت عليه , لما رواه أحمد والحاكم وصححه عم معاذ مرفوعاً : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) . وإنما اقتصر عليها لأن إقراره بها إقرار بالأخرى , لأنه يموت على التوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
ولتقليل الكلام عليه ينبغي ألا يلح عليه في ذلك بالإكثار والتكرار , وألا يقول له : قل : لا إله إلا الله , خشية أن يضجر , فيقول أو يتكلم بغير هذا الكلام الذي لا يليق , ولكن يقولها بحيث يسمعه معرضاً له , ليفطن فيقولها .
أو يقول ما قاله بعض العلماء : ذكر الله تعالى مبارك , فنذكر الله تعالى جميعاً : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله .
وإذا أتى بالشهادة مرة كفته , ولا يعاود , ما لم يتكلم بكلام آخر , فيعيد تلقينه بلطف ومداراة , لأن اللطف مطلوب في كل موضع فهنا أولى , وإنما يعيده ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله .
وعن عبد الله بن المبارك : أنه لما حضرته الوفاة فجعل رجل يلقنه ويكثر عليه , فقال : إذا قلت مرة , فأنا على ذلك ما لم أتكلم .
وينبغي ألا يلقنه إلا من يثق به لا من يتهمه من عدو أو حاسد , أو وارث أو متربص ينتظر موته .
ويستحب توجيه المحتضر إلى القبلة إن أمكن ذلك , فقد يكون في مستشفى , ويحكمه موقع السرير الذي يرقد عليه , ودليل ذلك حديث أبي قتادة عند الحاكم : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور فقالوا : توفي ... وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أصاب الفطرة ) . [ صححه الحاكم ووافقه الذهبي ] .
والله تعالى أعلم