بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمضحي أن يأكل جميع أضحيته؟
س:هل يجوز للمضحي أن يأكل جميع أضحيته؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
المختار هو قول الحنفية والمالكية القاضي بجواز أكل جميع الأضحية ولا يجب على المضحي أن يتصدق بشيء منها لما يلي:
1- لأن الدارج في عرف الشرع أن كُلّ دَمٍ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَبَطَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِالْأَكْلِ.
2- ولأن المقصود بالأضحية ابتداء حصول الثواب باراقة الدم بنية القربة احياء لسنة إبراهيم وليس الارفاق بالمساكين والأقارب، والتصدق والاهداء زائد عن المستحب يتحصل به ثواب زائد. والدليل على أن المقصود بالأضحية ابتداء حصول الثواب باراقة الدم بنية القربة ما جاء عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما عَمِل ابن آدم يوم النحر عملا أحبّ إلى الله من هِرَاقه دم، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان، قبل أن يقع على الأرض، فطِيبُوا بها نفسا".{رواه ابن ماجه، والترمذي وحَسنه}.
3- لا يوجد في الباب دليل يدل على وجوب التصدق من الأضحية بما يصدق عليه اسم الصدقة، فيبقى استصحاب الأصل وهو عدم الوجوب.
4- في الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس:"إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا وادخروا ما بدا لكم"{رواه مسلم}. فالظاهر من هذا النص جواز أكل وادخار جميع الأضحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمر على المشيئة والإرادة والتي تتنافى مع الوجوب.
أما رواية: "فكلوا وادخروا وتصدقوا". ورواية:"فكلوا وأطعموا وتصدقوا"{رواه مالك}. فالأمر فيهما محمول على الاستحباب بدليل الحديث السابق المروى عند مسلم.
ولكن المتعارف عليه أن المضحي يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، وهذه النسبة هي المستحبة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
{انظر: ابن الهمام: فتح القدير(22/109)، الكاساني: بدائع الصنائع(5/60)، المجموع(8/418)، الإنصاف(6/488)}
قال الكاساني في البدائع(10/320):"وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِأَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } وَقَوْلِهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } وَقَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا ) فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ يَوْمُ ضِيَافَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِلُحُومِ الْقَرَابِينِ فَيُنْدَبُ إشْرَاكُ الْكُلِّ فِيهَا وَيُطْعِمُ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْكُلِّ أَضْيَافَ اللَّهِ تَعَالَى - عَزَّ شَأْنُهُ - فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ جَازَ وَلَوْ حَبَسَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ".
والأفضل عند الشافعية أن يتصدق المضحي بجميع أضحيته إلا لقما يتبرك بأكلها. قال الشربيني في مغني المحتاج(18/138):" ( وَالْأَفْضَلُ ) التَّصَدُّقُ ( بِكُلِّهَا ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ ( إلَّا ) لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ ( لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا ) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَلِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ ، وَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ وَتَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ ، وَالتَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ".
والأفضل أن تذبح الأضحية في البيت إحياءً للسنة وتعليماً للناس إلا إذا دعت الحاجة والضرورة كأن يوكل غيره بذبح الأضحية وإرسالها إلى الفقراء والمساكين في أي مكان.
والله تعالى اعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء
22 من ذي القعدة 1431هـ الموافق:30/10/2010م