ما حكم أخذ الأجرة ودفعها مقابل عمليات تهجين الخيول ؟
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله، وبعد :
ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تهجين الخيول حتى أصبحت تجارة قائمة ومستقلة بحدّ ذاتها ، حيث لجأ أرباب الأموال إلى اقتناء ذكور الخيول الأصيلة والتّي تكلّف مبالغ باهظة بهدف إعدادها للتهجين وتقاضي النّقود مقابل ذلك ، ويختلف ثمن الضّراب – التهجين – بحسب نوعية الحصان وسلالته ، فكلّما كان الحصان أحسن سلالة وأجود نوعاً كان ثمن التهجين أكثر .
ولا شك أنّ الأصل في تقاضي الثمن مقابل التهجين الحرمة وذلك لأنّه من بيوع الغرر والجهالة والأصل أن يمنح هذا الماء بلا مقابل للنّاس وقد ثبتت في ذلك أحاديث صحيحة ، منها :
1. عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْل " رواه البخاري (2284).
2. عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ " . رواه مسلم (1565).
3. " إنّ من حقها إطراق فحلها وإعارة دلوها " . رواه مسلم (988) .
هذا وقد اتفقت المذاهب الأربعة على حرمة أخذ الثمن مقابل عملية التهجين وأوجبوا بذل الماء بالمجانّ .
انظر : (حاشية ابن عابدين ، (3/456)، مجمع الأنهر ، شيخي زاده (3/532)، حاشية الدّسوقي ، 3\43 ، مغني المحتاج ، للشربيني ، 4\84 ، الإنصاف(8/101)، المغني ، لإبن قدامة ، 4\159 ) .
إلاّ أنّه لا يمنع اعطاء صاحب الحصان هدية ولكن يجب ألاّ يكون قد اشترط ذلك صاحب الفرس وألاّ يكون قد جرى بها العرف لأنّ المعروف عرفاً كالمشروط شرطا .
وكذلك لا يمنع اعطاء صاحب الحصان أجرة مقابل ما يبذله من جهد في ترتيب وتجهيز عملية التّهجين ومقابل مبيت الفرس في اصطبله والقيام على رعايتها وتقديم الطّعام لها والشّراب وتقدير الأجرة يعود لهما أي لصاحب الحصان والفرس ، ولكن لا بدّ من مراعاة الشروط التّالية :
1. إذا كانت الفرس ستبيت في اصطبل صاحب الحصان فلا بدّ أن تكون مدة الإيجار معلومة أي بأن يتفق الطرفان على مدة بقاء الفرس في الإصطبل وما هي الخدمات التّي سيقدّمها صاحب الحصان .
2. حالة عدم مبيت الفرس في الإصطبل فالأجرة ستكون مقابل ما يقدّمه صاحب الحصان من خدمات وما سيبذله من جهد في سبيل تجهيز وإتمام عملية التهجين لذا لا بدّ في هذه الحالة من تحديد عدد الضّربات ( النزوات ) التّي سينزوها الحصان فإذا اتفق صاحب الفرس مع صاحب الحصان على خمس ضربات مثلاّ في خمسة أيام ولم يحصل حمل فصاحب الحصان ليس مجبراً بالتهجين مرة أخرى إلاّ إذا أراد ذلك من تلقاء نفسه.
3.ألاّ يشترط صاحب الفرس على صاحب الحصان الحمل في جميع الحالات السّابقة .
وما توصل إليه المجلس من القول بجواز دفع أجرة لصاحب الحصان مقابل ما يقدّمه من جهد في سبيل تجهيز عملية الإنزاء ( التهجين ) هو نصّ مذهب الشافعية، ولا يبعد أن يقول بذلك المالكية أيضاً لأنّهم يقولون بجواز استئجار الحصان من أجل التهجين لضربات معدودة فمن باب أولى جواز استئجار صاحب الحصان من أجل ترتيب هذه العملية عندهم .
جاء في حواشي ابن القاسم والشّرواني على تحفة المحتاج ( 4\348 ) ، وكذلك في حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج ( 3\514-515 )وهي أقوى الكتب اعتماداً للفتوى عند الشّافعية : " فإن استأجره ( أي أنّ صاحب الفرس استأجر صاحب الحصان ) على أن ينزي فحله على أنثى أو إناث صح قاله القاضي لأن فعله مباح وعمله مضبوط عادة ويتعين الفحل المعين لاختلاف الغرض به فإن تلف بطلت الإجارة " .
وجاء في حاشية الدّسوقي وهو من أقوى كتب المالكية اعتماداً عندهم للفتوى ( 3 \ 43 ) : " جاز الاستئجار على ضرابه ( أي استئجار الحصان ) زمانا معينا أو مرات معينة ... " .
ملاحظات: ننصح الأخوة أصحاب الخيول ( الذّكور ) بما يلي :
1.بعقد اتفاقية مكتوبة وواضحة بحيث تعرض على صاحب الفرس ليكون معلوما للطرفين ماهية العقد وما هو المتفق عليه بينهما وذلك ليكون واضحاً بأنّ هذا العوض ( الأجرة ) ليس مقابل الماء إنّما مقابل جهد وتعب صاحب الحصان، وننصح بأن تعرض على مجلس الإفتاء لمراجعتها قبل توثيقها قانونياً .
2.ننصح الأخوة أصحاب الخيول ( الذّكور ) بعدم المبالغة بالثمن والأسعار .
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء