بسم الله الرحمن الرحيم
ضرب الطبول أثناء تشييع الجنازة
س: بدعة شنيعة هي ما يسمى (العِدَّة) وهذا يكون بان تخرج الجنازة من البيت إلى المسجد بضرب الطبول وقرع الحديد (وهو يكون بأن يحمل بعض الأشخاص دوائر من الحديد أو النحاس يضربون بعضها ببعض فتخرج رنينا يرافق قرع الطبول بموسيقى خاصة) ويحمل بعض الأشخاص الرايات الكبيرة يمكن أن يصل مساحة الواحدة 2م طولاً و1,5 ومكتوب عليها آيات من القرآن الكريم؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لا يجوز أن تتبع الجنائز بما يخالف الشريعة الإسلامية، وقد جاء النهي عن ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( لا تتبع الجنائز بصوت ولا نار ). [ أخرجه أبو داود 2/62 عن أبي هريرة ].
ذهب العلماء إلى أنه يكره رفع الصوت بالذكر أو القرآن وهو قول الجمهور ورواية عند الحنفية يكره تحريماً، يقول ابن قدامة صاحب المغني 2/175: ويكره رفع الصوت ثم الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنازة بصوت، قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت ثم ثلاث: ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال، وذكر سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحاق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له، وقال الأوزاعي بدعة، وقال عطاء محدثة، وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم.
ويقول ابن مفلح صاحب الفروع 3/205: ويكره رفع الصوت ولو بالقراءة اتفاقاً قاله شيخنا وحرمه جماعة من الحنفية وغيرهم.
وقال ابن تيمية في مجموع فتاويه 24/293: لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفاً، بل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتبع الجنازة بصوت أو نار، رواه أبو داود، وسمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يقول في جنازة استغفروا لأخيكم فقال ابن عمر: لا غفر الله لك، وقال قيس بن عباد وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان الصحابة يستحبون خفض الصوت ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال، وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة.
وقال الإمام الشربيني في مغني المحتاج 1/359: ويكره اللغط وهو ارتفاع الأصوات في السير مع الجنازة لما رواه البيهقي من أن الصحابة كرهوا رفع الصوت ثم الجنائز وعند القتال وعند الذكر.
وقال الإمام الطحطاوي الحنفي: ويكره رفع الصوت قيل يكره تحريماً كما في القهستاني عن القنية وفي الشرح عن الظهيرية. [ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/401 ].
السبب في النهي:
والسبب في ذلك هو أنه تشبه بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين وقد نهينا عن التشبه باليهود والنصارى.
ونرى في عصرنا ما هو أقبح من ذلك وهو تشييع الجنازة بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفاً حزيناً كما يفعل بعض الجهلة في عصرنا، يفعلون ذلك خاصة للزعماء وغيرهم تقليداً للكفار، والموسيقى حرام وهي مزمار الشيطان.
وكذلك اتباع الجنائز بالطبول وبما يعرف عند العامة (العدة والأعلام وكذلك إطلاق الرصاص) مرضاة للشيطان ومخالفة لسنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الأعمال بدعة مع ما يرافقها من صياح سواء بالذكر أو القرآن.
وما هو حال متبع الجنازة؟
والمختار بل الصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة، ولا يرفع صوته بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما بل يشتغل بالتفكر في الموت وما يتعلق به وما يفعله جهلة القراء بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام يجب إنكاره، وكره الحسن وغيره استغفروا لأخيكم، قال الفضيل بن عياض: بينما ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول: استغفروا له غفر الله له، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك، منكراً عليه رفع صوته ومخالفته لما يجب أن يكون عليه في هذه الحال من تدبر وتفكر واتعاظ بالموت. [ المجموع , وفي الأذكار ص203 ].
ويقول ابن قدامة صاحب المغني 2/174: يستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله متعظاً بالموت وبما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك، قال سعد بن معاذ: ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها، ورأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة فقال: أتضحك وأنت تتبع الجنازة لا كلمتك أبداً، وذكر الحسن عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت ثم ثلاث: ثم الجنائز وعند الذكر وعند القتال.
جاء في كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق(3/207):"وَعَلَى مُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الصُّمَاتُ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ".
جاء في كتاب أسنى المطالب(1/312):"قال النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ وَالصَّوَابُ ما كان عليه السَّلَفُ من السُّكُونِ في حَالِ السَّيْرِ مَعَهَا فَلَا يُرْفَعُ صَوْتٌ بِقِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْخَاطِرِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِنَازَةِ وهو الْمَطْلُوبُ في هذا الْحَالِ".
ويقول الإمام الطحطاوي في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/401: فإن أراد أن يذكر الله تعالى ففي نفسه أي سراً بحيث يسمع نفسه، فإن لم يذكر الله تعالى فليلزم الصمت ولا يرفع صوته بالقراءة ولا بالذكر ولا يغتر بكثرة من يفعل ذلك، وأما ما يفعله الجهال في القراءة على الجنازة من رفع الصوت والتمطيط فيه فلا يجوز بالإجماع ولا يسع أحداً يقدر على إنكاره أن يسكت عنه ولا ينكر عليه.
نقول: فالواجب على القادر أن ينهى عن مثل هذه البدع، بل على كل مسلم أن يوصي أهله بأن لا يسير في جنازته ما يخالف شرع الله، فإنه قادم على الله تعالى، فهل يقدم عليه وهو راض بمعصية في يوم تشييعه إلى الله تعالى، فلا نتهاون في مثل هذه المعاصي.
والله تعالى أعلم
13جمادى الآخرة1431هـ الموافق27/5/2010م