المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(
الأقسام
حديث اليوم
عن أبي الدرداء ، أنه كان يقول : « يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم ، كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم ، ولمثقال ذرة من بر (1) من صاحب تقوى ويقين أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادة من المغتربين » __________ (1) البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك اللهم ربى بك وضعت جنبى وبك أرفعه إن أمسكت نفسى فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ».رواه مسلم
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما حكم من قتل نفسه اي انتحر, وهل يصلى عليه ويغسل والمشي في جنازته وهل يدفن في مقابر المسلمين. افيدوني جزاكم الله خيرا وزادكم من علمه.
تاريخ: 10/6/13
عدد المشاهدات: 21644
رقم السؤال: 13228

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

تعريف المنتحر:

لغة: يقال انْتَحَرَ الرَّجُل، بِمَعْنَى نَحَرَ نَفْسَهُ، أَيْ قَتَلَهَا.

{انظر: مختار الصحاح(1/307)، الموسوعة الفقهية الكويتية(6/281)}. 

اصطلاحا: المنتحر عند الفقهاء هو الذي يقتل نفسه متعمدا.

ويَتَحَقَّقُ الانتحار بِوَسَائِل مُخْتَلِفَةٍ، فَإِذَا كَانَ إِزْهَاقُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ بِإِتْيَانِ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، كَاسْتِعْمَال السَّيْفِ أَوِ الرُّمْحِ أَوِ الْبُنْدُقِيَّةِ أَوْ أَكْل السُّمِّ أَوْ إِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي النَّارِ  لِيَحْتَرِقَ أَوْ فِي الْمَاءِ لِيَغْرَقَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَائِل، فَهُوَ انْتِحَارٌ بِطَرِيقِ الإِْيجَابِ.

وَإِذَا كَانَ الإِْزْهَاقُ بِالاِمْتِنَاعِ عَنِ الْوَاجِبِ، كَالاِمْتِنَاعِ مِنَ الأَْكْل وَالشُّرْبِ، أَوْ عَدَمِ الْحَرَكَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي النَّارِ أَوْ عَدَمِ التَّخَلُّصِ مِنَ السَّبُعِ الَّذِي يُمْكِنُ النَّجَاةُ مِنْهُ، فَهُوَ انْتِحَارٌ بِطَرِيقِ السَّلْبِ.

{انظر: أحكام القرآن للجصاص(1/149)، ونهاية المحتاج (7/243)، ومواهب الجليل(3 /233)، والمغني(9/326)، الموسوعة الفقهية الكويتية(6/282)}.

الحكم التكليفي للانتحار:

النفس في الشرع مصونة معصومة لا يحل الاعتداء عليها من الذات ولا من الغير، واعتبر الإسلام الحفاظ على النفس من الضروريات الخمس التي لا تنتهك إلا بحد شرعي مبيح لإزهاقها، وقد تضافرت النصوص القطعية القاضية بحرمة الانتحار، من ذلك قوله تعالى:"وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"النساء:29. وقوله تعالى:"وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"البقرة:195.

واعتبر الفقهاء الانتحار من أعظم الكبائر بعد الشرك بالله استنادا إلى قوله (صلى الله عليه وسلم):"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ(أي المهلكات). وذكر منهن "قتل النفس"{متفق عليه}.

 {انظر: المبسوط(29/160)، الجوهرة النيرة(4/476)، شرح النووي على مسلم(1/189)، مواهب الجليل شرح مختصر خليل(4/555)}.

جاء في مجمع الأنهر(8/408):"وَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَلِيقُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاتِرَةً لَهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ مِنْهَا قَتْلُ النَّفْسِ بِعَمْدٍ}".

والمنتحر أعظم وزرا من الذي يقتل غيره؛ لأن المنتحر متعد وزيادة. ومهما عظُم السبب فإنه لا يبيح الانتحار، قال أبو هريرة (رضي الله عنه): شهدنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حنينا، فقال لرجل ممن يدعي بالإسلام:"هذا من أهل النار". فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا:إنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم شديدا وقد مات، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):"إلى النار". فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، و لكن به جرحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك، فقال:" الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله". ثم أمر بلالا فنادى في الناس:"إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"{متفق عليه}.

وحتى لو كان المرء قد ارتكب جرما مبيحا لإزهاق نفسه كزنى المحصن، فإنه لا يجوز له أن يقتل نفسه، جاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل(4/555):"هل يجوز للمكلف قتل نفسه إذا علم أنه أتى ما يوجب ذلك أو يستحب أو يحرم فإذا فعل هل يسمى بذلك فاسقا أو مفتانا؟

 جوابها: من تحتم قتله بذنب من الذنوب لم يجز له أن يقتل نفسه وستره على نفسه مع التوبة أولى به. وإن أراد به تطهير نفسه بالقتل فليقر بذلك عند ولي القتل ليقتله على الوجه الشرعي فإذا قتل نفسه لم يجز له ذلك، لكنه إذا قتل نفسه قبل التوبة كان ذنبه صغيرا لافتياته على الإمام ويلقى الله تعالى فاسقا بالجريمة الموجبة للقتل وإن قتل نفسه بعد التوبة، فإن جعلنا توبته مسقطة لقتله فقد لقي الله فاسقا بقتله نفسه ؛لأنه قتل نفسا معصومة، وإن قلنا لا يسقط قتله بتوبته لقي الله عاصيا لافتياته على الأئمة وليس بذلك إثم من يرتكب الكبائر؛ لأنه فوت روحا يستحق تفويتها وأزهق نفسا يستحق إزهاقها وكان الأصل يقتضي أن يجوز لكل أحد القيام بحق الله تعالى في ذلك لكن الشرع فوضه إلى الأئمة كيلا يوقع الاستبداد به في الفتن".

عقوبة المنتحر:

إذا أقدم المسلم على الانتحار وباشر العمل إلا أنه لم يمت فعليه عقوبة تعزيرية يراها القاضي. أما إذا مات فالذي يدل عليه ظاهر النصوص أن المنتحر مخلد في النار، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:"مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". ومنها حديث جُنْدَب عَن النَّبِيِّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:"كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ: اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".{رواه البخاري}. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قال النبي (صلى الله عليه وسلم):"الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ"{رواه البخاري}.

والصحيح أن المنتحر تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، والدليل على ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أنه قال:"فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِى مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِى بِهِجْرَتِى إِلَى نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ:مَا لِى أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِى لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ.

فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم):"اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ".

قال النووي في شرحه على مسلم عقب هذا الحديث(1/230):"أَمَّا أَحْكَام الْحَدِيث فَفِيهِ حُجَّة لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسه أَوْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة غَيْرهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلَا يُقْطَع لَهُ بِالنَّارِ، بَلْ هُوَ فِي حُكْم الْمَشِيئَة. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْقَاعِدَة وَتَقْرِيرهَا. وَهَذَا الْحَدِيث شَرْح لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْله الْمُوهِم ظَاهِرهَا تَخْلِيد قَاتِل النَّفْس وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر فِي النَّار".

والقاعدة عند أهل السنة والجماعة أن من مات وهو مؤمن فينظر: إن خلا من الذنوب دخل الجنة بفضل الله ورحمته، وإن وقع فيها فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. والمنتحر من المخلطين بين الإيمان والمعصية، وشأنه شأن العصاة ومرتكبي الكبائر.

قال النووي في شرحه على مسلم(1/100):"فَنُقَرِّر أَوَّلًا أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ السَّلَف الصَّالِح وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَذْهَبهمْ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَنَّ أَهْل الذُّنُوب فِي مَشِيئَة اللَّه (تَعَالَى). وَأَنَّ كُلّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَان وَتَشَهَّدَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْخُل الْجَنَّة. فَإِنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ سَلِيمًا مِنْ الْمَعَاصِي دَخَلَ الْجَنَّة بِرَحْمَةِ رَبِّهِ وَحَرُمَ عَلَى النَّار بِالْجُمْلَةِ... وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُخَلَّطِينَ بِتَضْيِيعِ مَا أَوْجَبَ اللَّه (تَعَالَى) عَلَيْهِ، أَوْ بِفِعْلِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ. فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة لَا يُقْطَع فِي أَمْرِهِ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار وَلَا بِاسْتِحْقَاقِهِ الْجَنَّة لِأَوَّلِ وَهْلَة. بَلْ يُقْطَع بِأَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ دُخُوله الْجَنَّة آخِرًا. وَحَاله قَبْل ذَلِكَ فِي خَطَر الْمُشِيئَة. إِنْ شَاءَ اللَّه (تَعَالَى) عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِفَضْلِهِ".

وبناء على ذلك فإن الأحاديث السابقة التي تدل على أن المنتحر مخلد محمولة على الزجر وليس المراد منها المعنى الحقيقي أو أنها تحمل على من يستحل قتل نفسه؛ لأنه إذا استحل قتل نفسه يكون قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة، وانكار المعلوم موجب للكفر، والكافر عقوبته الخلود في النار.

قال ابن حجر في الفتح الباري(3/227):"وأجاب أهل السنة عن ذلك –أي عن حديث:"فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" بأجوبة: منها توهيم هذه الزيادة، قال الترمذي بعد أن أخرجه: رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر "خالدا مخلدا" وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب قال: وهو أصح؛ لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها ولا يخلدون، وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحله، فإنه يصير باستحلاله كافرا والكافر مخلد بلا ريب. وقيل: ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة. وقيل: المعنى أن هذا جزاؤه، لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم. وقيل: التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله. وقيل: المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة، وهذا أبعدها".

وقال أيضا( 10/248):"وأولى ما حمل عليه هذا الحديث "الذي يطعن نفسه يطعنها في النار" ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه".

هل تنزع صفة الإيمان عن المنتحر؟

ذهب البعض إلى أن المنتحر كافر؛ لأن النصوص تدل على أنه خالد في النار، والخلود في النار والحرمان من الجنة جزاء الكفار عند أهل السنة والجماعة.

ومعتقد أهل السنة أن المنتحر ليس كافرا أي لا تنزع عنه صفة الإيمان؛ لأنه مرتكب لكبيرة، ومرتكب الكبيرة لا يكفر.

والصحيح هو ما ذهب إليه علماء أهل السنة والجماعة من أن المنتحر لا يكفر، والأحاديث التي دلت على الخلود إما منسوخة أو محمولة على من يستحل قتل نفسه؛ لأنه بالاستحلال يكون قد أنكر معلوما بالضرورة، والانكار موجب للكفر، أو أنها تحمل على الزجر وهذا معهود في كلام النبي (صلى الله عليه وسلم).

{انظر: فتح الباري(3/227)، شرح النووي على مسلم(1/230)، الموسوعة الفقهية الكويتية(6/291)}.

غسل المنتحر والصلاة عليه وتكفينه ودفنه:

لا خلاف بين المذاهب الأربعة أن المنتحر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وذلك لما يلي:

1-   الانتحار معصية، والمعصية لا تكفر ويجري عليه أحكام المسلمين وأمره إلى الله.

2- ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"صلوا على من قال لا إله إلا الله"{أخرجه الطبراني، وفي إسناده متهم بالكذب}.

3-   القياس على الغسل، فكما أنه يغسل باتفاق فإنه يكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.

قال ابن عابدين في الحاشية ما مجموعه مع الدر المختار:"من قتل نفسه ولو عمداً  يغسل ويصلى عليه, به يفتى. لأنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد، وإن كان باغياً على نفسه كسائر فساق المسلمين وإن كان أعظم وزراً من قاتل غيره".

 وقال النووي في المجموع:" ... (فرع) من قتل نفسه، أو غل من الغنيمة يغسل ويصلى عليه عندنا. وبه قال: أبو حنيفة، ومالك، وداود" .

 وقال الرملي في نهاية المحتاج(2/432):"وغسله وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعا للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره".

وقال ابن حزم في المحلى:"... ويصلى على كل مسلم بر أو فاجر، مقتول في حد أو في حرابة، أو في بغي. ويصلي عليهم الإمام وغيره ولو أنه شر من على ظهر الأرض إذا مات مسلماً".

ومنع الحنابلة الأمام من الصلاة على المنتحر قياسا على فعل النبي (صلى الله عليه وسلم). فقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة:"أنه أتي النبي (صلى الله عليه وسلم) برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه". وروى أبو داود أن رجلا انطلق إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبره عن رجل قد مات قال:"وما يدريك؟" قال:رأيته ينحر نفسه، قال:"أنت رأيته؟" قال: نعم. قال:"إذن لا أصلي عليه"{إسناده صحيح}.

ولم يمنع الحنابلة بقية الناس من الصلاة على المنتحر؛ لأن الحديث عندهم خاص بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بدليل أنه قال:"أما أنا فلا أصلي عليه". ولم ينه أصحابه عن الصلاة عليه. ولو كانت الصلاة ممنوعة من الجميع لبين، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت حاجته.

وهذا يشبه ما كان في بدء الإسلام حيث أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يصل على من مات وعليه دين لا وفاء له ويأمرهم بالصلاة عليه.

وذكر في بعض كتب الحنابلة أن عدم صلاة الإمام على المنتحر أمر مستحسن، لكنه لو صلى عليه فلا بأس. فقد ذكر في الإقناع(1/228):"ولا يسن للإمام الأعظم وإمام كل قرية الصلاة على قاتل نفسه عمدا، ولو صلى فلا بأس".

إعداد:

د.حسين وليد

باحث في المجلس الإسلامي للإفتاءـ بيت المقدس

17 صفر 1430هـ الموافق 12/2/2009م