ما حكم من يحرم الأنثى من الميراث ويعطي الذكور فقط؟
تاريخ:
30/11/16
عدد المشاهدات:
2133
رقم السؤال:
16855
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قال تعالى: { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً }. [ النساء: 7 ].
وقال تعالى: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كنّ نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف... فريضة من الله... }. [ النساء: 11 ].
إنّ حرمان الأنثى من الميراث من أمر الجاهلية، وقد أبطله الإسلام، وفرض لكل صاحب نصيب نصيبه.
قال القرطبي في تفسيره 3/278- 279: " وقد نزلت الآية { للرجال نصيب } في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يُقال لها أم ُ كحّة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابن عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة، فذكرت أم كحة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً، ولا يحمل كلا ً، ولا ينكأ عدواً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهنّ )، فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم وإبطالا ً لقولهم وتصرفهم بجهلهم، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ألا يفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا، فنزلت { يوصيكم الله في أولادكم } إلى قوله { الفوز العظيم }، فأرسل إليهما: ( أن أعطيا أم كحة الثمن مما ترك أوس ولبناته الثلثين ولكما بقية المال ).
وقال تعالى: { إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }. [ النساء: 10 ].
قال الجمهور: إنّ المراد الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وقال ابن زيد: نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار.
وروي في سبب نزول آية المواريث: روى الترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارقطني عن جابر بن عبد الله أنّ امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله: إنّ سعداً هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن، فلم يجبها في مجلسها ذلك، ثم جاءت فقالت: يا رسول الله: ابنتا سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادع لي أخاه )، فجاء، فقال له: ( ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي ). [ أخرجه أبو داود في كتاب الفرائض، حديث (2891) و (2892)، والترمذي في كتاب الفرائض، حديث (2092)، وابن ماجة في الفرائض، حديث (2720)، وغيرهم، وسنده صحيح ].
وروى جابر أيضاً قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ ثم رش عليّ منه فأفقت، فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: { يوصيكم الله في أولادكم }. [ أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الفرائض حديث (6723)، ومسلم في صحيحه – كتاب الفرائض، حديث (4102)، والترمذي نحوه في سننه – كتاب الفرائض، حديث (2096) و (2097) ].
وقال مقاتل والكلبي: نزلت في أم كحّة، وقال السدي: نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت، وقيل: نزلت في أهل الجاهلية، إبطالاً لما كانوا عليه من حرمان الأنثى والصغير من الميراث ولا يبعد أن تكون نزلت جواباً للجميع، لذلك تأخر نزولها، والله أعلم " انتهى.
بعد بيان أحكام المواريث قال تعالى: { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين }. [ النساء 13 – 14 ].
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين ). [ أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب بدء الخلق، حديث (3063)، ومسلم في صحيحه – كتاب المساقاة والمزارعة، حديث (4093) ].
إن للأنثى حقاً ونصيباً في الميراث، على حسب ما قدره الله وأوجبه لها من نصيب مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وإنّ الذي يحرمها نصيبها فقد اغتصب هذا الحق وأكل مالا ً حراماً بالباطل، وكان متعدياً لحدود الله تعالى، وعمل بعمل أهل الجاهلية فاستحق بذلك وعيد الله، فاتقوا الله في أولادكم واعدلوا كما فرض الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل: ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ). [ أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الفرائض، حديث (6493)، ومسلم في صحيحه – كتاب الفرائض، حديث (4097) ].
فلا يجوز للأب حرمان بعض أولاده أو بناته إن قسم قبل وفاته، كما لا يجوز للأخوة حرمان الإناث نصيبهن من تركة قريبهن الميت.
قال الشيخ مصطفى الزرقا: " فلو قسم الأب أمواله وسجلها لأولاده الذكور في حياته على سبيل الهبة والتمليك ولم يعط بناته فقد ظلم، وعلى الأخوة إن فعل والدهم ذلك أن يرفعوا الإثم عن أبيهم فيعطوا أخواتهم، وليس للبنات مطالبة أخوتهم بما سجل وأعطى أبوهم لهم قبل وفاته " انتهى – [ كتاب " فتاوى " للشيخ مصطفى الزرقا ص322 و 326 ].
وقال د. القرضاوي: " فلا يحل لوالد أن يحرم بعض أولاده من الميراث، ولا يحل له أن يحرم الإناث أو يحرم أولاد زوجة غير محظية عنده، كما لا يحل لقريب أن يحرم قريبه المستحق من الميراث بحيلة يصطنعها، فإنّ الميراث نظام قرره الله تعالى بعلمه وعدله وحكمته، وأعطى به كل ذي حقٍ حقه , وأمر الناس أن يقفوا فيه عند ما حدده وشرعه , فمن خالف هذا النظام في تقسيمه وتحديده فقد اتهم ربه... { يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم }. [ النساء 176 ]، فمن خالف عما شرع الله في الميراث فقد ضل عن الحق الذي بينه الله، واعتدى على حدود الله عز وجل، فلينتظروا وعيد الله { ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين }. [ النساء: 14 ]. " انتهى – [ كتاب في الحلال والحرام ص203 ].
ألا ترون إخواننا كيف سلبت أرضنا، وتسلط علينا عدونا ظلماً بسبب ظلمنا لأنفسنا وأكل حقوق بعضنا { فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً }. [ النساء: 160 – 161 ].
وما يفعله الأخوة من سؤال أخواتهم إن كنّ يردن شيئاً من الميراث، ويقوم بتخجيلها أو تهديدها أو أي وسيلة ضغط مما يضطرها إلى المسامحة خوفاً منه فهذا حرام وظلم وعدوان، ولعلها إذا طالبت بحقها قطعها وعاداها – هداه الله –، أما إذا كانت مُسامَحتها وتنازلها عن رضى وطيب نفس فلا حرج في ذلك.
والله تعالى أعلم