السلام عليكم : عندنا في ليبيا الجريحة طائفة تسمى السلفية لا يعترفون بما يعرف بالعزاء للميت أي (يدفن ولا يعمل له عزاء في بيته) ويعتبرون ذلك بدعة لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-و لا الصحابة -رضي الله عنهم- ولا التابعين ولا اصحاب المذاهب الاربعة المشهورة. بل انهم يقولون ان الاجتماع في بيت الميت من النياحة التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاصة اذا كان فيها اكل وشرب، فنحن عادتنا في ليبيا في العزاء يقدم الشاي ومنهم من يقدم حتى الرطب والحليب للمعزي. فهل عمل العزاء للميت في بيته وبناء السرادق وتقبل التعازي هو حقا من النياحة وهو بدعة محرمة . ارجوا ان تكون الاجابة مفصلة على المذاهب الاربعة لاضراري لذلك. بارك الله فيكم وفي علمكم واطال اعماركم وبارك لكم فيها وجعلكم ذخرالهذا الامة الاسلامية
تاريخ:
31/7/17
عدد المشاهدات:
2777
رقم السؤال:
23514
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد رسول الله وبعد :
كره جمهور أهل العلم الاجتماع لاستقبال التّعازي لأنّ ذلك قد يجدّد الأحزان ، قال الإمام الشافعي: " وَأَكْرَهُ الْمَأْتَمَ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُكَاءٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ ، وَيُكَلِّفُ الْمُؤْنَةَ مَعَ مَا مَضَى فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ" . انظر : "الأم" (1/318).
قال النووي : " أَمَّا الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَتِهِ ... قَالُوا : بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفُوا فِي حَوَائِجِهِمْ ، فَمَنْ صَادَفَهُمْ عَزَّاهُمْ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ الجلوس لها ..." . انظر : "المجموع شرح المهذب" (5/306).
واستدل الجمهور على قولهم بما روي عن : جرير بن عبد الله قَالَ : ( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ). رواه أحمد (6866) ، وابن ماجه (1612) .
وقال الحنفية لا كراهة في ذلك إذا جرى فيه العرف وهذا قول بعض الحنابلة وبعض المالكية واختاره المجد ابن تيمية ... قال ابن نُجيم الحنفي : " وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ إلَيْهَا ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ وَالْأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ". انتهى من " البحر الرائق" (2/207).
قال المرداوي الحنبلي : " وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ ، قَالَ الْخَلَّالُ : سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ...، وَعَنْهُ : الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ [ ابن تيمية ] . انتهى من "الإنصاف" (2/565) .
واختار هذا القول من العلماء المعاصرين : الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وهو من كبار علماء السّلفية كما في "مجموع الفتاوى" (13/373) - ، وهو ترجيح الشيخ محمد المختار الشنقيطي في "سلسلة دروس شرح الزاد" .
واحتجّ القائلون بالجواز بحديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ). رواه البخاري (5417) ، ومسلم (3216). [ التلبينة : هي حساء يعمل من دقيق ونخالة ، وربما جعل معه عسل ، وسميت به تشبيها باللبن ، لبياضها ورقتها].
فهذا الحديث فيه الدلالة الواضحة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً ، سواء اجتماع أهل الميت ، أو اجتماع غيرهم معهم .
2- وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : " لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ .
فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ لَقْلَقَةٌ ". رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 290) ، وعبد الرزاق الصنعاني (3/ 558) بسند صحيح.
وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَاللَّقْلَقَةُ : الصَّوْتُ ، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن.
والقول المختار : أنّه طالما أنّ العرف قد جرى فيه فلا مانع شرعاً بشرط اجتناب البدع والمحدثات المحرمة خصوصاً وأنّ المسألة تدور بين الاباحة والكراهة ومعلوم أنّ الكراهة تنتفي لأدنى حاجة ولا ينبغي أن نصوّر المختلف فيه كالمتفق عليع ولا الهيئات كالواجبات .
قال شمس الدين المنبجي الحنبلي : " إن كان الاجتماع فيه موعظة للمعزَّى بالصبر والرضا وحصل له من الهيئة الاجتماعية تسلية بتذاكرهم آيات الصبر ، وأحاديث الصبر والرضا ، فلا بأس بالاجتماع على هذه الصفة ، فإنّ التعزية سنة سنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لكن على غير الصفة التي تفعل في زماننا من الجلوس على الهيئة المعروفة اليوم ، لقراءة القرآن ، تارةً عند القبر في الغالب ، وتارةً في بيت الميت ، وتارة في المجامع الكبار ، فهذا بدعة محدثة ، كرهها السلف ". انتهى من " تسلية أهل المصائب " (ص: 121) .
ويردّ على القائلين بالكراهة بما يلي :
أ.حديث جرير قد أعله الإمام أحمد ، والدراقطني.
قال أبو داود : " ذَكَرْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثَ هُشَيْمٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ جَرِيرٍ: " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قال : زعموا أنه سمعه من شريك ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أُرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلاً".
انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني" (ص: 388).
وجاء في "العلل" (13/462) للدارقطني ما يشعر باحتمال تدليس هشيم له .
وللاستزادة ينظر كتاب : " التجلية لحكم الجلوس للتعزية" للشيخ ظافر آل جبعان صـ 27 .
ب. لا يحتجّ بأن الاجتماع للعزاء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو من البدع المحدثة وذلك لأنّ الاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة .
وقد سئل الشيخ ابن باز عن استقبال المعزين والجلوس للتعزية ، فقال : " لا أعلم بأساً فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب ، أو زوجة ، ونحو ذلك ، أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب ؛ لأن التعزية سنة ، واستقبال المعزين مما يعينهم على أداء السنة ؛ وإذا أكرمهم بالقهوة ، أو الشاي ، أو الطيب ، فكل ذلك حسن " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (13/373).
والله تعالى اعلم
المجلس الاسلامي للافتاء
الاثنين 7 ذو القعدة 1438 ه
الموافق 31.7.2017 م