السؤال : لدي أرض ثمينة فيها زروع وثمار اغتصبها مني بعض أهل الظلم فلم أستطع استخلاصها منه وقد رفعت أمره إلى أهل الشأن فلم يقوموا بالمطلوب وقد سمعت أنهم يقبلون الرشوة . فهل يجوز أن أدفع الرشوة لآخذ حقي من هذا الظالم المعتدي ?....
دفع الرشوة بهدف إرجاع حق أو دفع ظلم السؤال : لدي أرض ثمينة فيها زروع وثمار اغتصبها مني بعض أهل الظلم فلم أستطع استخلاصها منه وقد رفعت أمره إلى أهل الشأن فلم يقوموا بالمطلوب وقد سمعت أنهم يقبلون الرشوة . فهل يجوز أن أدفع الرشوة لآخذ حقي من هذا الظالم المعتدي ؟ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ¡ وبعد: نقسم الموضوع إلى قسمين : أولا: حكم الرشوة بشكل عام ¡ ثانيا : حكم الرشوة لرفع ظلم . نفصل فيما يلي : حكم الرشوة بشكل عام حرام حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة للحكام وأعوانهم كما حرم على هؤلاء أن يقبلوها إذا بذلت لهم¡ وحظر على غيرهم أن يتوسطوا بين الآخذين والدافعين. من أكل أموال الناس بالباطل أخذ الرشوة¡ وهي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو وظيفة عامة¡ ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو¡ أو ينجز له أو يؤخر لغريمه عملاً¡ وهلم جرًا. قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون). (البقرة: 188). وجاء في الحديث النبوي عن عبد الله بن عمرو قال: ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ) صححه الترمذي ( 1337 ) وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما . وعن ثوبان قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم " الراشي والمرتشي والرائش ". (رواه أحمد والحاكم ) . والراشي : من يُعطي المال لإبطال حق أو إحقاق باطل ¡ والمرتشي : الآخذ وقد شمله اللعن لأنه شريك للراشي ومعين على الظلم والفساد ¡ والرائش: هو الوسيط بين الراشي والمرتشي . وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم ". (رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه). ولا غرابة في تحريم الإسلام للرشوة وتشديده على كل من اشترك فيها¡ فإن شيوعها في مجتمع شيوع للفساد والظلم من حكم بغير الحق أو امتناع عن الحكم بالحق¡ وتقديم من يستحق التأخير¡ وتأخير من يستحق التقديم¡ وشيوع روح النفعية في المجتمع لا روح الواجب . حكم الرشوة لرفع الظلم ومن كان له حق مضيع لم يجد طريقة للوصول إليه إلا بالرشوة¡ أو وقع عليه ظلم لم يستطع دفعه عنه إلا بالرشوة . فالأفضل له أن يصبر حتى ييسر الله له السبل لرفع الظلم¡ ونيل الحق. فإن سلك سبيل الرشوة من أجل ذلك فالإثم على الآخذ المرتشي وليس على الراشي إثم في هذه الحالة ما دام قد جرب كل الوسائل الأخرى فلم تأت بجدوى¡ وما دام يرفع عن نفسه ظلمًا أو يأخذ حقا له دون عدوان على حقوق الآخرين ÷ومن كان له حق من عقار وغيره لا يستطيع أخذه ولا الوصول إليه إلا بدفع الرشوة فلا بأس بذلك للراشي دون المرتشي فقد رخص فيه جماعة من السلف نذكر أقوالهم فيما يلي . قال ابن الأثير رحمه الله في كتابه النهاية ( 2 / 206 ) فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه ( أي الرشوة) . روي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله ¡ وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا : لابأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم) . وقال الخطابي رحمه الله في المعالم [ 5 / 207 ] إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد .. ) . وإذا كان آخذ الرشوة قد أخذها ليظلم فما أشد جرمه¡ وإن كان سيتحرى العدل فذلك واجب عليه لا يؤخذ في مقابله مال. وهذا الأمر مما عمت به البلوى في بعض البلاد فلا يقدرون على أخذ حقوقهم وقضاء حوائجهم إلا بشيء من الرشوة ويعتبر ذلك من باب الضرورة فيجوز للدافع ويحرم على الآخذ . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ( 31 / 187 ) ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار …) . وهذا من دقائق فقه السلف وعظيم علمهم¡ فهذا الباب فيه حاجة من جهة وصعوبة الاجتناب من جهة أخرى فاستدعى النظر تجويز ذلك مراعاة لمصالح العباد ودفع الضرر عنهم والصبر في مثل هذه المسائل فيه خير كثير وفضل عظيم . يمكن تلخيص الأمر فيما يلي: - من أعطى مالاً عينًا أو منفعة ليحصل على ما ليس له بحق فهذا حرام على المعطي والآخذ. - ومن أعطى مالاً عيناً أو منفعة على سبيل الاضطرار أوتحت سوط القهر والجبر من أجل نيل حقه الثابت شرعًا÷ فهذا يجوز للمعطي حرام على الآخذ ¡ على ألا تكون الرشوة تمكينا لغير المسلم - بشكل مباشر أو غير مباشر( سماسرة الأرض) – من أرض أو عقار إسلامي . - ومن أعطى مالاً عينا أو منفعة لموظف في بلاد الإسلام ليستميل قلبه فيخفف الثاني ما توجب على المعطي فهذا حرام على كليهما. - من منح مالاً أو عيناً إنساناً مقابل ما قدم له من خدمة وانتهى منها على سبيل الهدية أو الجائزة التي لا تحمل معنى الاستمالة في المستقبل فهذا حلال لكليهما. والله تعالى أعلم الشيخ خالد غنايم رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء ....