نرى لجان الزكاة في بلادنا تعطي المصلي وغير المصلي من مال الزكاة فهل هذا جائز ? أفيدونا !!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
تكلم العلماء السابقون ( رحمهم الله ) في شروط كل صنف من الأصناف الثمانية الذين يستحقون الزكاة على حدة , ثم تكلموا على الشروط المشتركة بين هذه الأصناف الثمانية , فذكروا أموراً كعدم الكفر وغيره ... ولكنهم لم يشترطوا عدم الفسق , لكن نرى أن علماءنا ( رحمهم الله ) يؤكدون على أنه لا يجوز أن يعطى الفاسق مالاً من الزكاة يتقوى به على المعصية , وقد بسطوا الكلام في هذا الموضوع في مصرفي : ابن السبيل والغارمين .
فبالنسبة لمصرف ابن السبيل نرى أن الفقهاء يجيزون إعطاءه من الزكاة بشرط أن لا يكون سفره سفر معصية يتقوى بهذا المال على معصية الله .
قال الحطاب في حاشيته على ( مختصر سيدي خليل 1/234 ) : " وهذا هو الصنف الثامن وهو ابن السبيل – وهو – لغريب المحتاج لما يوصله إلى بلده إذا كان سفره في غير معصية " .
وزاد الدسوقي في حاشيته على ( الشرح الكبير 2/108 ) قائلاً : " وإلا لم يعط ( ابن السبيل العاصي ) ما لم يتب لو خشي عليه الموت " .
وتكلم النووي في ( المنهاج 6/157 مطبوع مع نهاية المحتاج ) على الغارم واستحقاقه للزكاة , فاشترطوا ألا يكون سبب الاستدانة معصية , ونقل الرجل في ( نهاية المحتاج 6/157 ) تمثيلاً للاستدانة عن الرافعي قال فيه : " الاستدانة للمعصية بما لو اشترى خمراً في ذمته " .
والذي يظهر من مجمل هذه النصوص التي نقلناها أن العلماء يتشددون في جانب الاستعانة بهذا المال على معصية , أما ما لم يؤد هذا المال – دلالة واضحة – إلى استغلاله في معصية فإنهم يترخصون بدليل أنهم لم يجعلوا عدم الفسق أو العدالة – شرطاً في المزكى عليه .
وقد صرح الدمياطي الفقيه الشافعي بهذا صراحة فقال في ( إعانة الطالبين 2/441 ) : " يجوز دفعها – الزكاة – لفاسق إلا إذا علم على أنه يستعين بها على معصية " .
ويقول ابن حجر الهيثمي في ( فتاويه 2/36 ) : " إن النووي وغيره صرحوا بأنه لا يجوز إعطاء الزكاة للفسقة كتاركي الصلاة إن وجد فيهم شرط استحقاقها " . وقد نقل الدمياطي هذا الكلام عن ابن حجر في ( الإعانة 2/242 ) .
ولأجل هذا الكلام نرى أن تشديد العلماء في إعطاء الغارم المستدين على معصية يخف كثيراً إذا تاب .
قال الرملي في ( نهاية المحتاج 6/157 ) : " يصح أن يعطى ( الغارم لمعصية ) إذا تاب حالاً إن غلب على الظن صدقه " .
وأما الحطاب فهو عند كلامه على ابن السبيل المسافر لمعصية يرى – كما قدمنا – أنه لا يجوز إعطاؤه لأنه يتقوى به على معصية , هذا بوصفه ابن السبيل , أما بوصف الفقر فإنه أفتى باستحقاقه , ولم يعلق على مسألة معصيته .
يقول الحطاب في شرحه على ( مختصر خليل 3/234 ) : " فإنه – أي ابن السبيل المسافر سفر معصية – إذا كان فقيراً لا ينزع عنه ما يستحقه بوصف الفقر " .
وأما ما استدل به البعض على عدم جواز إعطاء العاصي من مال الزكاة بما نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه لا يصح له , وذلك لأن ابن تيمية أراد العاصي الذي يتقوى بالزكاة على معصية الله , وهذا ما يتفق مع ما نقلنا عن الفقهاء .
قال ( رحمه الله ) في ( الفتاوى 25/87 ) : " وأما الزكاة فينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين , وغيرهم من أهل الدين المتبعين للشريعة فمن أظهر بدعة أو فجوراً فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة فكيف يُعان على ذلك ؟ ! " .
وعليه فإن على لجان الزكاة أن تراعي في توزيعها أموال الزكاة أن لا تمنع أطفالاً من حق الزكاة لفسق أبيهم , أو تمنع رجلاً من الزكاة لتركه الصلاة تكاسلاً , فإن حقه كمسلم على المسلمين الأغنياء في الإرفاق به وقت الفقر ثابت " ثم إن في إعطائه الزكاة تأليفاً لقلبه " .
لكن ليحذر القائمون على لجان الزكاة أن يكون ما يعطوه من مال الزكاة لبعض الأفراد مما يتقوون على معصية الله كشرب الخمر وتعاطي المخدرات .
والله تعالى أعلم