المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
عن أبي الخير ، أنه سمع سعيد بن يزيد يقول : إن رجلا قال : يا رسول الله ، أوصني . قال : « أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل ، كما تستحي رجلا صالحا من قومك »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى , إذا لم تستح فاصنع ما شئت " واه البخاري .
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
الغلو في استباحة الدماء
تاريخ: 2/10/19
عدد المشاهدات: 5045
رقم الفتوى: 209
الغلو في استباحة الدماء

الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله ، وبعد :
 
إنّ الإعتداء على النفوس المسلمة المعصومة جرم عظيم وكبيرة من الكبائر يستحق الفاعل الوعيد الإلهي لقوله سبحانه وتعالى: ) ومن يَقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابا عظيما ([النساء:93].
 
وممّا يؤكّد حرمة دم المسلم قول النبي(صلى الله عليه وسلم): "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" [أخرجه الترمذي وهو صحيح. انظر تحقيق أحمد شاكر لسنن الترمذي(4/16)].
 
ونظر ابن عمر (رضي الله عنهما) يوما إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك" [رواه الترمذي وقال:"حديث حسن"].
 
وفي الحَدِيث: "لَهَدْمُ الْكَعْبَةِ حَجَرًا حَجَرًا أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ" [قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص (541):"لم أقف عليه ولكن معناه مرفوع بلفظ من آذى مسلما بغير حق فكأنما هدم بيت الله"].
 
ومن أعظم ما يدل على خطورة التعرض للدماء والحذر الشديد تجاهها ما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ {موضع} مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ:"أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: وَأَنَا وَاللهِ لَا أَقْتُلُ مُسْلِمًا حَتَّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ([الأنفال: 39]؟ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ.

ومن الأنفس المعصومة في الإسلام :
أنفس المعاهدين وأهل الذمة وهم المواطنون غير المسلمين في المجتمع الإسلامي والمستأمنين من غير المسلمين فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" [أخرجه البخاري] .

قال ابن قدامة في الكافي(4/176):"وعلى الإمام حفظ أهل الذمة و منع من يقصدهم بأذى من المسلمين والكفار واستنقاذ من أسر منهم بعد استنقاذ أسارى المسلمين واسترجاع ما أخذ منهم؛ لأنهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم".

وقد صرّح الفقهاء أنّه لا يقتل  إلاّ المحارب وأمّا من لا يحارب المسلمين فلا يجوز قتله والإعتداء عليه :

قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين) (البقرة:190 ) .

وقال جلّ شانه وتبارك اسمه : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة/8 ،9.
 
وقد ورد النهي صريحاً عن قتل النساء والصبيان، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنّ امرأة وُجِدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان) رواه الشيخان .

قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم عند الكلام على حديث ابن عمر: (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان ما لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون) [شرح النووي على صحيح مسلم (12/  48 ).

وفي سنن أبي داود عن  أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا باسم الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً، صغيراً ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا) (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) انظر: سنن أبي داود (3/86) .

وقد تجلّت معاملة المسلمين لغير المسلمين في أبهى مظاهر الحضارة والإنسانية في ديار الإسلام شهد بها  المنصفين من غير المسلمين قبل المسلمين أنفسهم ، ومن ذلك :

1. روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك. قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.{الأموال لابن زنجويه(1/165)} .

 2. وجاء في كتاب فتوح البلدان أنّه لمّا أجلى الوليد بن يزيد نصارى قبرص مخافة أن يعينوا الروم استفظع  ذلك المسلمون، واستعظمه الفقهاء، فلمّا ولي يزيد بن الوليد ردّهم إلى قبرص ، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله، ورأوه عدلاً. انظر : { فتوح البلدان ص(156(}.
وأخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، اعتبر المسلمون ذلك من الغصب، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكى إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم.  انظر : {فتوح البلدان ص (132)}.

3. ولمّا أغار أمير التتار قطلوشاه على دمشق في أوائل القرن الثامن الهجري، وأسر من المسلمين والذميين من النصارى واليهود عدداً، ذهب إليه الإمام ابن تيمية ومعه جمع من العلماء، وطلبوا فك أسر الأسرى، فسمح له بالمسلمين، ولم يطلق الأسرى الذميين، فقال له شيخ الإسلام: "لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع لديك أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فإنّ لهم ما لنا، وعليهم ما علينا"، فأطلقهم الأمير التتري جميعاً. {مجموع الفتاوى(28/617)}.

يقول ولديورانت في قصة الحضارة(12/131):"لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زيّ ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص باختلاف دخله، وتتراوح بين دينارين وأربعة دنانير، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية..ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف في المائة من الدخل السنوي، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم..." 





والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء