بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
العمل في البنوك الربوية وتأجير العمارات لإقامة بنك فيها حرام , لأن الإسلام اعتبر الربا من كبائر الذنوب التي تمحق البركة من الفرد والمجتمع , وتوجب البلاء في الدنيا والآخرة , نص على ذلك الكتاب والسنة وأجمعت عليه الأمة , والأدلة على ذلك قوله تعالى : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } . [ البقرة : 276 ] . وحارب الإسلام الربا , قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } . [ البقرة : 278- 279 ] . وقول رسوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا أنفسهم عذاب الله ) . [ رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ] .
وحرم كل مظهر من مظاهر التعاون على الإثم والعدوان , وجعل كل معين على معصية شريكاً في الإثم لفاعلها , سواءً أكانت إعانة بجهد عملي أم قولي .
وفي الربا يروي جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه ) . وقال : ( هم سواء ) . [ رواه مسلم ] .
ويروي ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه ) . [ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححاه ] .
هذه الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة هي التي تبين حرمة العمل في البنوك أو المصارف أو الشركات التي لا يخلو عملهم فيها من المشاركة في كتابة الربا وفوائد الربا المنهي عنه .
وأصبح البلاء فيه عاماً كما تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره ) . [ رواه أبو داود وابن ماجة ] .
ومثل هذا الوضع لا يغير فيه ولا ينقص منه امتناع موظف عن تسلم عمله في بنك أو شركة , وإنما يغيره في هذه البلاد تغيير النظام كله .
وعلى كل مسلم غيور أن يعمل بقلبه ولسانه وطاقته بالوسائل المشروعة لتطوير نظامنا الاقتصادي وحتى يتفق وتعاليم الإسلام , وليس هذا ببعيد .
ولو أننا حظرنا على كل مسلم أن يشتغل في البنوك لكانت النتيجة أن يسيطر غير المسلمين على أعمال البنوك وما شاكلها , وفي هذا على الإسلام وأهله ما فيه مع أن أعمال البنوك ليست كلها ربوية بل فيها من الحلال الطيب لا حرمة فيه , مثل السمسرة والإيداع وغيرها . وأقل أعمالها هو الحرام ولكن بالتالي هي شركة ربوية خالطها الحرام .
بناءً على ما تقدم فلا بأس أن يقبل المسلم العمل في البنك والتأجير له , وإن لم يرض عنه , حتى يتغير هذا الوضع المالي إلى وضع يرضي دينه وضميره , على أن يكون في أثناء ذلك متقناً عمله مؤدياً واجباً نحو نفسه وربه وأمته .
بذلك لا ننسى ضرورة العيش , أو الحاجة التي تنزل – عند الفقهاء- منزلة الضرورة , تلك التي تفرض على صاحب السؤال قبول هذا العمل كوسيلة للتعيش والارتزاق , ولكن إذا وجد المسلم عملاً يغنيه عن الوظيفة في بنك ربوي فلا يجوز له العمل في هذا البنك . وأن مصالح الناس متعلقة بالبنوك من مداولات مالية وتجارية وحتى مخصصات التأمين فلو منعنا إقامة البنوك في الوسط الإسلامي – ونحن غير قادرين على إقامة بنك إسلامي في الوقت الحاضر – فستقام هذه البنوك في مدن ومجمعات غير إسلامية وتبقى معاملات الناس مع البنوك لأنهم مضطرين إلى ذلك , إلا أننا زدنا عليهم مشقة السفر إلى أماكن وجود البنوك , ومهم الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والعاجز عن السفر والزمن وصاحب العمل الذي يعطل أعماله , وهي أيضاً في أيد غير أمينة , لذلك لا بأس من العمل في البنوك وتجنب الحرام الذي فيه قدر الإمكان للمصلحة والحاجة ورفع الحرج فقط دون اعتقاد حل التعامل معها .
حكم الاقتراض من البنك الربوي :
لا يجوز أخذ القروض الربوية من البنوك وغيرها , كما ذكرنا في حديثنا عن العمل في البنوك , حيث اعتبر الإسلام الربا من كبائر الذنوب التي تمحق البركة من الفرد والمجتمع , وآكل الربا هو الدائن صاحب المال الذي يعطيه للمستدين فيسترده بفائدة تزيد على أصله هو المجرم الأول , وهو ملعون عند الله تعالى .
ولكن الإسلام لم يقصر الجريمة على آكل الربا وحده بل أشرك معه في الإثم مؤكل الربا – أي المستدين ( المقترض ) الذي يعطي الفائدة – وكاتب عقد الربا وشاهديه . وفي الحديث : ( لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه ) . [ رواه مسلم والترمذي ] .
ولكن أباح العلماء أخذ القروض الربوية إذا كانت هناك ضرورة ملحّة ( والضرورات تبيح المحظورات ) اقتضت معطي الفائدة أن يلجأ إلى هذا الأمر فإن الإثم في هذه الحالة يكون على آخذ الربا ( الفائدة ) وحده , ولكن هذا بشروط عند العلماء هي :
1- أن تكون هناك ضرورة حقيقية , لا مجرد توسع في الحاجيات أو الكماليات , فالضرورة ما لا يمكنه الاستغناء عنها إلا إذا تعرّض للهلاك كالقوت والعلاج من مرض مزمن الذي يعرّض النفس للهلاك .
2- أن يكون هذا الترخيص بقدر ما يفي بالحاجة دون أن تزيد , ولا يحدد الضرورة إلا أصحاب الاختصاص والخبرة وليس اتباع الهوى والشهوات ( لأن الضرورات تقدر بقدرها ) فمتى كان يكفيه ألف شاقل مثلاً , فلا يحل له أن يستقرض زيادة عنها .
3- أن يستنفذ كل طريقة للخروج من أزمته المادية ولا يمنعه الحياء أو الكبر من الاستقراض من إنسان لا يأخذ الربا , وعلى إخوانه المسلمين أن يعينوه على ذلك , فإن لم يجد وسيلة لجأ إلى هذا .
4- وأن يفعل ذلك وهو له كاره , غير مستحل له , حتى يجعل الله له مخرجاً .
والله تعالى أعلم