بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
إنشاء النذر والالتزام به مكروه عند كثير من العلماء , ولو كان المنذور عبادة كالصلاة والصيام والصدقة .
والدليل على ذلك ما رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال : ( إنه لا يرد شيئاً , وإنما يستخرج من مال البخيل ) .
وفي رواية : ( النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) .
والحكمة في الكراهة : خشية أن يعتقد بعض الناس أنه يرد القدر , أو يظن أن النذر يوجب حصول غرضه الخاص , أو إنما يحسب أن الله يحقق له غرضه من أجل ذلك النذر , ولهذا قال في الحديث : ( إن النذر لا يرد شيئاً ) أو ( لا يأتي بخير ) .
وهناك خطر آخر يتمثل في نذر المجازاة كقوله : إن رزقني الله ذكراً , أو إن شفى الله ولدي , أو إن ربحت تجارتي لأتصدق على الفقراء , أو لأنشئن مسجداً أو نحو ذلك , ومعنى ذلك أنه رتب فعل القربة المذكورة من الصدقة أو بناء المسجد على حصول غرضه الشخصي , فإذا لم يحصل غرضه لم يتصدق ولم يبن مسجداً .
وهذا يدل على أن نيته في التقرب إلى الله لم تكن خالصة ولا متمحضة , فحالته في الحقيقة هي حالة البخيل الذي لا يخرج من ماله شيئاً إلا بعوض يزيد على ما غرمه , ولهذا قال في الحديث : ( وإنما يستخرج من البخيل ) , وسر ثالث في كراهة الالتزام بالنذر , وهو ما فيه من تضييق على النفس وإلزامها بما كان لها عنه مندوحة , وقد يغلبه الكسل أو الشح أو الهوى فلا يفي به , وقد يؤديه كارهاً مستثقلاً له بعد إن لم يعد له خيار في شأنه .
ومهما يكن من تعليل القول بكراهة النذر فإن الإجماع قائم على أن الوفاء به واجب , وقد جاء الكتاب والسنة بذم اللذين ينذرون ولا يوفون .
والوضع الصحيح للنذر أن يكون بما فيه قربة إلى الله تعالى كالصدقة والصلاة والصيام وعمل الخيرات ونحو ذلك .
ولهذا جاء في الحديث : ( لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ) . [ رواه أحمد وأبو داود ] .
والله تعالى أعلم