المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
قال عبد الرحمن بن سلمة : « ما كذبت منذ أسلمت إلا أن الرجل يدعوني إلى طعامه فأقول : ما أشتهيه فعسى أن يكتب »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن ابي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عن - قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله علية و سلم فقال : يا رسول الله الله ، دلني على عمل إذا عملته احبني الله و احبني الناس فقال : - ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس- حديث حسن رواه ابن ماجه و غيره باسانيد حسنه .
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
التحريق والتعذيب للأسرى بالنار مرفوض في تعاليم وقيم الإسلام في كل زمان ومكان
تاريخ: 20/4/16
عدد المشاهدات: 4033
رقم الفتوى: 513
 
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا ونبينا محمّد أشرف الخلق والمرسلين ، وبعد :
 
إنّ التعاليم الإسلامية السّامية تدعو إلى الرحمة مع الخلق جميعاً وعلى وجه الخصوص الانسان كإنسان ، والأدلة على ذلك أكثر من تحصر  في هذا البيان ، ولا أدلّ على ذلك  من قوله تعالى في معرض الامتنان على البرية جمعاء : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .
 
ولقد كانت القاعدة العامة التي حَثَّ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في أوّل غزوة غنم فيها المسلمون أسرى هي : " استوصوا بهم أي بالأسرى خيراً " . أخرجه الطبراني في الكبير حديث (977), وفي الصغير (409), وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن .
ولم تكن هذه الوصية النبوية الشّريفة مجرّد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة, بل تمثّلت في مجموعة من المظاهر التي تُنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة, وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان .

قال ابن عباس رضي الله عنه : أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه يوم بدر أن يُكرموا الأسارى فكانوا يُقدّمونهم على أنفسهم في الغداء. انظر :  ( تفسير ابن كثير ، 4\584 ) ، قال ابن جريج : لم يكن الأسير على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ من المشركين .

وعن الحسن البصري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتَى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول له : " أحسن إليه " فيكون عنده اليومين والثلاثة ، فيؤثره على نفسه" . انظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، للألوسي ( 29/ 155).

بل إنّ شريعة الإسلام تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك, حيث تمنع تعذيب الأسير للإدلاء بمعلومات عن العدو، وقد قيل للإمام مالك :أَيُعذَّبُ الأسيرُ إن رُجِيَ أن يدلّ على عورة العدو؟ قال: "ما سمعت بذلك" . انظر : (التاج والإكليل ، للمواق ،) 3/353.
فالفطرة السليمة تأبى التعذيب للنفوس البشريّة, بل إنّها لا ترضى بتعذيب الحيوان فضلاً عن الانسان ، فعن أبي يعلى شدَّاد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "إنَّ الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحدَّ أحدُكم شفرَتَه، وليُرح ذبيحتَه" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما " . رواه البخاري .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ (طير ) فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار" . أخرجه البخاري في الأدب المفرد (382)، وأبو داود (2675)، وصححه الحاكم (4/239)، ووافقه الذهبي.
 
وأمّا ما روي عن  النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم  - «مَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ وَمَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ» فقد قال فيه أهل العلم : أنّه لم تصح نسبته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم . انظر : المبسوط ، شمس الأئمة السرخسي ، (26\152 ) .
 
بل قد ثبت في السيرة النّبوية النهي عن تعذيب الأسير ببتر أعضائه، أو حرق أطرافه، أو غير ذلك.. حيث ذكر ابن هشام في السيرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قد قال  لعمر بن الخطاب، حين عرض عليه أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو ( وكان أسيراً ) ، حتى يندلع لسانه: "لا يا عمر، لا أمثّل به فيمثّل الله بي وإن كنت نبياً." انظر : السيرة النّبوية ،لابن هشام ، ج1 \650 ) .
 
وما زُعم أنّ  أبا بكر الصّديق رضي الله عنه قد أحرق الفجاءة السلمي حياً، غير صحيح بل باطل لا سند له ، وذلك لأنّ في اسناد هذه الرواية  علوان بن داود البجلي، وهو رجل مطعون في روايته بل قيل أنّه من اللّصوص . انظر : " لسان الميزان" للحافظ بن حجر ، الضعفاء الكبير ، للعقيلي .

كما لم تثبت الرّواية التي تزعم بأنّ  الصحابي خالد بن الوليد قد أمر  بحرق رأس خالد بن نويرة، لأنّ في سندها  (محمد بْنُ حميد الرازي) وهو كذاب..
بل ذهب جمع كبير من أهل العلم إلى ما هو أبعد من ذلك حيث قالوا : لو أنّ شخصاً أحرق آخر بالنّار فإنّه لا يقتص من الجاني بمثل ما جنى به وهو النّار وذلك استناداً لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا» وَقَوله صلّى الله عليه وسلّم  «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدًا» وعملاً بظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ ".
 
ولا يعترض في هذا المقام بقوله تعالى: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " وذلك لأنّ الأحاديث السّابقة جاءت مخصصة لعموم هذه الآية ، خاصة وأنّ الاعتداء بالمثل ليس وارداً ولا متصوراً في جميع الأمور ، وذلك لأنّه لو أخذت هذه الآية على عمومها لترتب على ذلك بأن يقال بجواز قذف القاذف مثلاً  ، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم !! فمثلية الجزاء المقصودة في الآية هي المثلية في نوع العقوبة وأمّا  طريقة استيفائها وتنفيذها فتستفاد من أدلة أخرى .
 
 انظر :  ( المبسوط ، للسرخسي ،  26\126 ، 152  ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، الكاساني ، (7\245 ) ، اللباب في شرح الكتاب ، الغنيمي ( 3\145 ) ،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ، شيخي  زاده  (2\620 ) ، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، (ج6، 52 ) ،الروض المربع شرح زاد المستقنع ، البهوتى الحنبلى ( 1\639 ) .
 
هذا وإنّنا وإذ ننكر في هذا المقام التعذيب والامتهان للانسان كإنسان أياً كان فإنّنا بالوقت نفسه نستهجن على جمعيات حقوق الانسان ودول الحضارة -كما تزعم - التي تكيل بمكيالين وتنظر للجريمة بازدواجية وبلا موضوعية حيث أنّ انكارها للجريمة ليس انكاراً لذات وعين الجريمة وإنّما ينبع بداية عن مصدر وفاعل هذه الجريمة ، حيث أنّ هنالك جرائم مبررة في ميزانها ومقاييسها  وجرائم مدانة ومجرمة ، وأمّا في نظرتنا الشّرعية الشمولية   فامتهان الانسان مرفوض واهدار كرامته وانسانيته حياً أو ميتاً  مرفوض من أي طرف  أو جهة كانت وفي كلّ زمان ومكان .
 
نقولات فقهية بخصوص تحريق الأسرى:
 
قال الامام السّرخسي في المبسوط : " وَإِذَا أَحْرَقَ رَجُلٌ رَجُلًا بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تَعْمَلُ عَمَلَ السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَالتَّأْثِيرِ فِي الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنِ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ الْمَوْلَى بِالسَّيْفِ عِنْدَنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْرِقُهُ بِالنَّارِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا» وَقَالَ «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدًا». المبسوط محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي ، ( 26\152 ) دار المعرفة – بيروت ، بدون طبعة تاريخ النشر: 1414هـ - 1993م .
 
" وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ " ( المبسوط ، 26\126 ) .
 
قال الكاساني "وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ الْقِصَاصُ، وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِيفَاءِ فَالْقِصَاصُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ عِنْدَنَا " . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي ، (7\245 ) ، دار الكتب العلمية الطبعة: الثانية، 1406هـ - 1986م .
 
-(ولا يستوفي القصاص إلا بالسيف) وإن قتل بغيره، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا قود إلا بالسيف) . اللباب في شرح الكتاب ، عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي ( 3\145 ) ، المكتبة العلمية، بيروت - لبنان .
 
-(وَلَا قِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَقَوْلُهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» . انظر : مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده, يعرف بداماد أفندي (2\620 ) ، دار إحياء التراث العربي بدون طبعة وبدون تاريخ  ، فتح القدير ، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام ، دار الفكر ، بدون طبعة وبدون تاريخ.
 
-(وَيَحْرُمُ أَنْ يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ إلَّا بِسَيْفٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِهِ أَوْ بِمُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ، كَسِحْرٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ، أَوْ كَانَتْ بِحَجَرٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ لَوْطٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ مِنْ مِفْصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ الْجَانِي قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ أَوْضَحَهُ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ، أَوْ أَجَافَهُ أَوْ أَمَّهُ أَوْ قَطَعَ يَدًا نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ شَلَّاءَ أَوْ زَائِدَةً فَمَاتَ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً غَيْرَ ذَلِكَ فَمَاتَ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ.

وَلِحَدِيثِ: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ.» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْقَوَدِ إتْلَافُ جُمْلَتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ بِإِتْلَافِ أَطْرَافٍ كَقَتْلِهِ بِسَيْفٍ كَالٍّ، وَيَدْخُلُ قَوَدُ الْعُضْوِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَدُّ بَدَلِ النَّفْسِ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ كَالدِّيَةِ. (مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، (ج6، 52 ) ، مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيبانى مولدا ثم الدمشقي الحنبلي ، المكتب الإسلامي ، الطبعة: الثانية، 1415هـ - 1994م .
 
-(ولا يستوفى) القصاص (في النفس إلا بضرب العنق بسيف ولو كان الجاني قتله بغيره) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا قود إلا بالسيف» رواه ابن ماجه، ولا يستوفى من طرف إلا بسكين ونحوها لئلا يحيف. (الروض المربع شرح زاد المستقنع ، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى ( 1\639 ) .
 
 
 


المجلس الإسلامي للإفتاء
16 ربيع الآخر 1436هـ  الموافق 5.2.2015 م