المجلس الإسلامي للإفتاء-الداخل الفلسطيني 48
الرئيسية
بنك الفتاوى
الأسئلة والأجوبة
سؤال جديد
من نحن
اتصل بنا
ابحث في بنك الفتاوى
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الأقسام
حديث اليوم
عن أبي الخير ، أنه سمع سعيد بن يزيد يقول : إن رجلا قال : يا رسول الله ، أوصني . قال : « أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل ، كما تستحي رجلا صالحا من قومك »
فتوى اليوم
حكمة اليوم
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى , إذا لم تستح فاصنع ما شئت " واه البخاري .
حكمة اليوم
فيسبوك
تويتر
الثأر والانتقام من منظور إسلامي
تاريخ: 3/12/12
عدد المشاهدات: 6717
رقم الفتوى: 640

بسم الله الرحمن الرحيم

الثأر والانتقام من منظور إسلامي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

حق الحياة من أقدس الحقوق، والاعتداء عليه بالقتل جريمة من أشد الجرائم نكرا وأكبرها خطرا، فهو يؤدى إلى تيتم الأطفال وترمل النساء وإشاعة الفوضى والاضطراب، وهو فى حقيقته تحدٍّ لشعور الجماعة وخروج على آداب الاجتماع، والحياة بدون احترام لحقوق المجتمع أشبه بحياة الحيوانات التى تسيرها غرائزها وتتصرف كيف يشاء هواها.

وقد أجمعت العقول السليمة على استنكار الاعتداء على حياة الغير بدون حق، لذا فالثأر والانتقام بالمفهوم الجاهلي محرم في دين الله، فقد كان العرب قديما إذا قتل منهم الواحد قتلوا بالمقابل غير القاتل أو القاتل وعددا كبيرا من أولاده وعشيرته دون جريرة ولا ذنب إلا ما لهم من قربى ورحم مع المعتدي الجاني. روي أن واحدا قتل آخر من الأشراف، فاجتمع أقارب القاتل عند والد المقتول وقالوا له: ماذا تريد؟ قال: أريد إحدى ثلاث، قالوا: وما هى؟ قال: إما أن تحيوا ولدى، وإما أن تملؤا داري من نجوم السماء وإما تدفعوا لى جلة قومكم -أى عظماءهم- حتى أقتلهم، ثم لا أرى أخذت عوضا.

وكان من أثر هذا الشطط اضطراب الأمن وانحلال الروابط وتفكك العُرا، وإشاعة الفوضى وجموح التعصب، والاستعداد الدائم للحرب والتمرن على فنون القتال، والتكاثر باقتناء الخيل الجياد والسيوف البواتر والتغنى فى الأشعار بما يملكون من قوة وما يتصفون به من شجاعة وبأس وعزة، منصرفين بذلك عن الأخذ بأسباب الاستقرار والرخاء والتقدم، فلم يكن لهم شأن يذكر عند الأمم الأخرى قبل مجئ الإسلام.

 

ترحيل أهل القاتل إثم وجريمة

 جاء الإسلام ووضع الميزان وأمر الناس بالقسط والعدل وبيّن أنه لا يؤخذ ولد بذنب أبيه ولا والد بجريرة ولده، وكل امرئ مسؤول عن أفعاله، ولا يجوز ترحيل أهل القاتل عن محلتهم ولا إيذاؤهم بحرق بيوتهم وممتلكاتهم وتشويه صورتهم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجناية أبيه ولا جناية أخيه"{صحيح. رواه النسائي. قال الهيثمي في مجمع الفوائد ومنبع الزوائد(6/442)، الموسوعة الشاملة:"رواه البزار ورجاله رجال الصحيح". انظر: صحيح وضعيف سنن النسائي للألباني(9/198)، الموسوعة الشاملة}. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:وجدتُ في قائم سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا:"إن أشد الناس عتواً رجل ضرب غير ضاربه ورجل قتل غير قاتله "{رواه الحاكم في مستدركه(4/389)، الموسوعة الشاملة، وصححه، ووافقه الذهبي}.

والقاتل يقتل في دولة الإسلام بعد الإثبات الموكول للدولة، لقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة:179. وقوله صلى الله عليه وسلم:"الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ, وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ"{صحيح.رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم. قال ابن الملقن في البدر المنير(9/158)، الموسوعة الشاملة:"هَذَا الحَدِيث صَحِيح"}.

فالنفس بالنفس وان كان القاتل رئيسا مطاعا من قبيلة شريفة والمقتول سوقيا وضيعا وكذلك إن كان كبيرا وهذا صغيرا أو هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا عربيا وهذا عجميا أو هذا هاشميا وهذا قرشيا.

وحق القصاص ثابت إلا أن يعفو أولياء القتيل، فالصفح والاحتساب أفضل من الانتقام، والعفو خير من القتال لقوله تعالى:{وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}التغابن:14. وقال صلى الله عليه وسلم:"ولا هامة"(رواه البخارى). والهامة: طائر يزعم العرب أن عظام الميت تصير طائرا يطير من قبره ينادي بأخذ الثأر له وتقول: اسقونى اسقونى، فإذا أخذ بثأره سكتت.

قَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ يَعْنِيهَا:

 يَا عَمْرُو إلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي        أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي

وقد أبطل الإسلام هذه الخرافة وحرر العقول من سخافات الجاهلية وأفكارهم الباطلة وبنى المجتمع المسلم على الأخوة والود والسماحة والعدالة.

إن العفو خير بشرط أن يكون في العفو صلاح وإصلاح فإن لم يكن فيه صلاح وإصلاح مثل أن يكون المعتدي إنساناً معروفاً بالشر والظلم فإن العفو عنه هنا لا ينبغي بل أخذه بعقوبته أفضل؛ لأن ذلك يردعه ويردع أمثاله.

ولا يجوز لأحد أن يأخذ سلطة القضاء، لأنه لو تُرِك لكل أحد أن يأخذ حقه بنفسه، وأن يثأر من ظالمه لأصبحت البلاد فوضى، وكل شخص يريد الاعتداء على غيره من الممكن أن يتهمه بشيء ثم يقوم بقتله أو ضربه، وقد يكون في بعض الأمور والقضايا ملابسات، لا يكشفها إلا التحقيق من أهل الاختصاص والجهات العادلة والنزيهة لمعرفة من صاحب الحق من غيره.

جاء في مغني المحتاج(4/55):"ولا يُسْتَوفى قصاص في نفس أو غيرها إلا بإذن الإمام فيه لخطره؛ ولأن وجوبه يفتقر إلى اجتهاد لاختلاف الناس في شرائط الوجوب والاستيفاء، تنبيه المراد بالإمام هنا الأعظم أو نائبه وكذا القاضي". وجاء في كشاف القناع(5/633):"ولا يستوفي في القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا".

لقد أمر الإسلام بالعدالة ولم يمنع المظلوم من حقه ولكن في ظل القانون وسيادة الدولة الإسلامية، وهذا جار في كل مظلمة وعدوان.

ومما نهى الإسلام عنه وهو من دوافع الثأر والانتقام، تلك العصبية المقيتة التي تنصر الظالم على المظلوم بدافع العائلية والحزبية والنفعية وتقيم دعائمها على أساس المصلحية لا القانون والعدالة، لقد حذر الإسلام من دعوى الجاهلية وعطل أسبابها وتوعد بالوعيد لمن دعا إليها. ففي الصحيحين واللفظ لمسلم: اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصار: يا للأنصار.. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية. وقال صلى الله عليه وسلم:"من ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم". فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".{رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب}.

جاء الإسلام والقبائل متناحرة فيما بينها، كل قبيلة تحط من شأن الأخرى، كل فرد يقاتل من أجل قبيلته سواء كانت محقة أو على الباطل الأثيم، ويفرح لفرحها ويغضب لغضبها، حاله كما صوره دريد بن الصمة:

وما أنا إلا من غزية إن غوت    غويت وإن ترشد غزية أرشد

فعمل الإسلام على غرس ربطة الدين ووشيجة العقيدة؛ لأنها هي التي تجمع الناس، وليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة ولا الجنس والعنصر ولا الحرفة والطبقة إنها وشيجة العقيدة. فقد جمعت هذه العقيدة صهيبا الرومي وبلالا الحبشي، وسلمان الفارسي وأبا بكر العربي القرشي تحت راية واحدة، راية الإسلام، وتوارت العصبية، عصبية القبيلة والجنس والقوم والأرض، وها هو مربي هذه الأمة وقائدها عليه الصلاة والسلام يعلم ويربي إذ يقول لخير القرون كلها مهاجرين وأنصار:"دعوها (العصبية) فإنها منتنة"{رواه مسلم}.

إن الإسلام لم ينكر حب القبيلة والأرض والوطن بل دعا إلى ذلك وأمر بالموت في سبيل الحفاظ على هذه المنظومة ولكن في سياج الدين. هذا السياج المغزول من مبادئ الشريعة وقواعدها الغراء التي تنبض بالحق وتدفق بالخير للجنس الإنساني.

{انظر: مقدمة ابن خلدون (ص145) الموسوعة الشاملة، أدب الدنيا والدين(397) الموسوعة الشاملة، الموسوعة الفقهية الكويتية(15/5)، فتاوى الأزهر(7/378)}

 

والله تعالى أعلم

المجلس الإسلامي للإفتاء

5جمادى الأولى 1433هـ الموافق27/3/2012م