بسم الله الرحمن الرحيم
عورة المرأة على المرأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
- من المعلوم أن جميع بدن المرأة البالغة عورة إلا الوجه والكفين .
- عورة المرأة المسلمة على المرأة المسلمة ، ما بين السرة والركبة – [ اتفاقاً ] .
فكل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من الرجل يحل للمرأة أن تنظر إليه من المرأة ، وما لا يحل له لا يحل لها .
- ليست السرة والركبة من العورة عند : [الشافعية ، الحنابلة ، الجمهور] .
من الأدلة :
- وجود المجانسة : فالناظر والمنظور إليه كليهما من النساء ولهذا تغسل المرأة المرأة بعد موتها كما يغسل الرجل الرجل بعد موته .
- ليس في نظر المرأة إلى المرأة خوف الشهوة أو الوقوع في الفتنة غالباً , والغالب كالمتحقق ، كما ليس ذلك في نظر الرجل إلى الرجل , ولكن إذا خافت الشهوة أو الوقوع في الفتنة فعليها أن تجتنب النظر .
- عورة المسلمة على المرأة الكافرة مثل عورة المسلمة على المرأة المسلمة عند : [الحنابلة ، وهو وجه عند الشافعية ، أيده الغزالي ، الرازي ، وهو وقول الكاساني من الحنفية ، وبعض المالكية منهم : ابن العربي ، وأيد ذلك الألوسي والدكتور عبد الكريم زيدان] .
من الأدلة :
- غير المسلمات قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحتجبن ولا أمرن بالحجاب منهن.
- ضرب الحجاب على المرأة المسلمة بالنسبة للرجل لمعنى معروف وهو خوف الشهوة والفتنة وهذا المعنى لا يوجد بين المسلمة ونظرة الكافرة إليها .
- القول بحجاب المرأة المسلمة عن الكافرة استناداً على قوله تعالى : { أو نسائهن }. [النور :31] . { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .... أو نسائهن } .
هذا القول غير مسلَّم , لأن في تفسير قوله تعالى : { أو نسائهن } احتمالات عدة :
- المقصود بها النساء المسلمات .
- المقصود بها النساء عموماً المسلمات والكافرات , وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال . ومن الجدير بالذكر أن الرازي ، وابن العربي ، الألوسي أيدوا الاحتمال الثاني . وقال الألوسي : وهذا القول أرفق بالناس اليوم , فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات .
والله تعالى أعلى وأعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
ضوابط لباس المرأة المسلمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وأصحابه وبعد:
يشترط في لباس المرأة عدة أمور:
أولاً- أن يغطي ويستوعب اللباس جميع بدن المرأة، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:59].
والجلباب هو الرداء الذي يستر البدن من فوق إلى أسفل. يستثنى من الستر الوجه والكفان عند جمهور الفقهاء، ودليلهم ما جاء في حديث عائشة أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:" يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا"، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.{أخرجه أبو داود وهو صحيح. انظر حجاب المرأة المسلمة للألباني(24)}.
أما بالنسبة للقدمين فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة أنهما من العورة, لما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَة:َ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ:" يُرْخِينَ شِبْرًا". فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ. قَال:"َ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ". { أخرجه الترمذي:وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ}. فدل على أن الجلباب يجب أن يكون سابغا يستوعب جميع البدن حتى القدمين. والجورب الصفيق ينوب مناب ذيل الثوب في ستر القدمين.
لذا يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها ومن ذلك القدمين عدا الوجه والكفين.
ثانياً- أن يكون اللباس واسعا: المقصود من اللباس الستر, وحجب بدن المرأة عن أنظار الأجانب، منعا للفتنة والفساد، ولا شك أن اللباس الضيق لا يحقق هذا الغرض, لأنه يصف بدن المرأة ويبرز حجمه أو حجم أعضائه, فلا يكون في الحقيقة ساترا للبدن ولا حاجبا له عن أنظار الأجانب ولا مانعا من الفتنة وتحريك الشهوة ووقوع الفساد. ومن أجل هذا كله جاء النهي الشرعي عن اللباس الضيق للمرأة, فاشترط فيه ان يكون واسعا فضفاضا حتى لا يصف شيئا من بدنها ولا يحدد حجمه ولا يبرزه للناظرين. ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا"{حسن}.
{قبطية: ثياب من مصر بيضاء فيها رقة ورهافة، منسوبة إلى الأقباط. وأراد بالكثيف هنا الساتر. الغلالة: شِعار يلبس تحت الثوب وتحت الدرع أيضا، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد؛ لأنه يلي شعره}.
ثالثاً- أن يكون اللباس ثخينا كثيفا غير شفاف: ودليل ذلك ما أخرجه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
قال العلماء في معنى"كاسيات عاريات":إنهن النساء اللواتي يلبسن ثيابا رقيقة تشف عما تحتها وتصف لون أبدانهن, أو أنهن يسترن بعض أبدانهن ويكشفن البعض الآخر, أو يجمعن بين الأمرين:يغطين بعض أبدانهن بثياب رقاق قصيرة تصف لون ما تحتها من أبدانهن, بل وتظهر حجم أعضائهن أيضا, ويتركن أجزاء أخرى من أبدانهن مكشوفة أصلا ليس عليها أي شيء ولو كان رقيقا. كما هو المشاهد في وقتنا الحاضر، إذ تلبس المرأة ثيابا رقيقة ناعمة ضيقة تغطي بدنها ولكن تكشف ما تحته وتظهر حجمه، وتكشف البعض الآخر من بدنها مثل الرقبة والذراعين والصدر، وربما شيئا من النهدين، كما تكشف الساقين، وربما شيئا من فوق الركبتين. فهن كما قال صلى الله عليه وسلم:"كاسيات عاريات" فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعاً-أن لا يكون لباس المرأة لباس شهرة: ولباس الشهرة هو كل ثوب قصد به صاحبه الاشتهار بين الناس سواء كان خسيسا أو نفيسا، ويرجع في تحديد لباس الشهرة إلى النية، فإذا قصد الإنسان باللباس الذي يلبسه الشهرة حرم، بدليل ما اخرج أبو داود في سننه عن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ"، وفي رواية:"البسه الله ثوب مذلة"، وفي رواية أخرى لابن ماجه:"من لبس ثوب شهرة , أعرض الله عنه حتى يضعه متى وضعه".{حديث حسن. انظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود للألباني(9/29)}.
هذا ومن الضروري التفريق بين طلب الشهرة باللباس وهذا محظور، وبين الرغبة في الحسن من الثياب وهذا مباح غير محظور ما دام لم يقصد الشهرة والاشتهار، وليس فيه ما يدعو إلى الشهرة لا من جهة لونه ولا هيئته ولا ما صنع من مادته.
جاء في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود ٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ". قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟! قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ".
قال شيخ الإسلام ابن تميمة - رحمه الله -:"من لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله أو استعانة على طاعة الله كان مأجورا".
خامساً- أن لا يكون لباسها شبيها بلباس الرجل: من المعروف ان للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا، فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل، فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها. فالنبي صلى الله عليه وسلم, لعن المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال. فلا يجوز للمرأة ان تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة؛ لأن هذا عدوان على الفطرة. فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى وميز كلا منها بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة. وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته. فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا، لذلك فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء، فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
سادساً- ألا يكون مطيبا:
لا يجوز للمرأة أن تتطيب وتخرج من بيتها، لما فيه من لفت الأنظار إليها، وتحريك الشهوة وإثارتها، وسواء كان الطيب في جسمها أو ثوبها. ودليله ما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية» {أخرجه الحاكم في المستدرك(8/150) وقال: وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه}.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ. فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ، جِئْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ؟! قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟! قَالَتْ: نَعَمْ. قَال: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنْ الْجَنَابَةِ"{أخرجه أبو داود وصححه الألباني}.قَالَ أَبُو دَاوُد: الْإِعْصَارُ غُبَارٌ.
جاء في شرح هذا الحديث أن أبا هريرة –رضي الله عنه- قال لها:"يا أمة الجبار" ناداها بهذا الاسم تخويفا لها بأنه سمع من حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تقبل صلاة امرأة تطيبت لمسجد" أي لحضوره والصلاة فيه،"حتى ترجع وتغتسل" بأن يعم غسلها جميع بدنها إذا كانت قد تطيبت جميع بدنها، ليزول عنها الطيب، وأما إذا أصابت الطيب موضعا مخصوصا من بدنها فيكفيها أن تغسل ذلك الموضع، قال ذلك علي القاري، ولكن صاحب"شرح سنن أبي داود" قال: ظاهر الحديث يدل على الاغتسال، أي: غسل جميع البدن في كلتا الصورتين.{المفصل لعبد الكريم(3/368)، وانظر: عون المعبود(9/212)}.
سابعاً- ألا تكون التزيينات والزركشات مبالغاً فيها وخارجة عن حدود المعتاد.
ثامناً- ألا يدخل فيها مواد محرّمة.
تاسعاً- ألا يحوي صوراً وأشكالاً مخالفة للإسلام كالصليب أو صور عارية أو صور ممثلات أو ممثلين أو التعويذات وما شابه ذلك.
والله تعالى اعلم
4 جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 28/5/2009م