إ ن الإسلام يحارب الفساد والانحلال بمختلف ألوانه وأشكاله ويقطع كل الطرق التي تؤدي إليه ، وإن الصور الإباحية محرمة في ذاتها ؛ لأنها تكشف عورات النساء ، أو عورات الرجال إن كانت كاشفة للعورة المغلظة ، وكشف العورات مما عوقب به آدم – عليه السلام – حين عصى ربه في الجنة ، فإنه حينما أكل مع زوجته حواء من الشجرة التي حرمها الله عليهما ، كشفت سوءاتهما ، فكانت الفطرة السليمة المسارعة لتغطية هذه السوءة ، والمسارعة بتوريتها .
فللصورة تأثيرها في نفس الرائي ، وتحرك في الناظر إليها غرائزه ، وتظهر له الفتن ، والعبرة في الأمر بالمرء العادي الطبيعي ، أما من تبلَّد حسه أو فقد شهوته ، فعلى مثل هذا فلا يقاس ، فإن قومًا قد يشربون زجاجة من خمر فلا يصيبهم من السكر شيء ، فهل يصبح الخمر لهم حلالاً، هذا ما لم يقل به أحد ، ولكن العبرة في مقياس تحريم الخمر بالمرء الطبيعي الذي لم يشرب هذه المسكرات ، فإن أثَّرت عليه صارت محرمة على الجميع ، كذلك فإن الصورة التي تؤثر في الشاب المراهق تصبح محرمة على جميع المسلمين ؛ لأنها كاشفة للعورة مهيجة للشهوة .
لذلك لا شك في حرمة مشاهدة الأفلام الإباحية والصور الخليعة لأن للوسائل أحكام المقاصد كما
قرر فقهاء الإسلام .
قال العز بن عبد السلام : " للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل , والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل المقاصد " .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها ) . [ رواه البخاري ] .
ومعنى الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى المرأة أن ترى عورة امرأة أخرى وبعد ذلك تقوم بوصفها لزوجها فتجعله يفتتن بالمرأة الموصوفة ، فكيف إذا كانت عارية ؟
ومن المعلوم أن هذا الوصف يجعل الزوج يتخيل تلك المرأة بصفاتها التي نقلت إليه من زوجته ، ومع أن الأمـر يتعلق بالخيال فقط فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فما بالك بمشاهدة الأفلام الجنسيـة حيـث الصوت والصورة ، فهذا يؤدي إلى مفسدة أعظم من مجرد التفكير بامرأة وصفت له .
قال الشيـخ علي بن الحسن الحموي الشافعي رحمـه اللـه معلقاً على الحديث السابـق : " تالله لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما ذكر لأن الرجل الأجنبي إذا سمع وصف امرأة أجنبية تشكلت في قلبه وانطبعت في مرآة نفسه ، ويوحي الشيطان لعنه الله له عند ذلك كلاماً من غروره وأمانيه ، ويحول بينه وبين تقوى الله ومرضاته ، وتخطر له هنالك خواطر قبيحة وهواجس ذميمة فتارة بالزنا وتارة بالفحشاء ..." . [ أحكام النظر ص 58 – 59 ] .
إن كل هذا يحدث نتيجة التفكير في امرأة وإن ما ينتج عن مشاهدة الأفلام الجنسية لهو أعظم وأخطر بكثير .
هذا إذا أضفنا إلى ما تقدم أن إعداد الأفلام الجنسية والصور العارية حرام لأن فيها انتهاكاً للحرمات والنظر إلى ما حرم الله ، كما أن نشر تلك الأفلام حرام وطبع تلك الصور حرام ، وترويج ذلك ونشره حرام أيضاً فالقضية كلها تدور ضمن دائرة التحريم .
يقول الدكتور محمد أبو فارس في مشاهدة الرسوم المتحركة التي تحتوي على بعض الشخصيات الخليعة :
" على أي حال النظر إلى الصور السافرة أو العارية التي تكشف فيها العورات محرّم شرعاً ، والواجب أن يغض الرجل والمرأة بصريهما عن ذلك ؛ لقوله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } . [ النور : 30 ] . وقوله تعالى : { قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } . [ النور : 31 ] . فمشاهدة هذه الصور الخليعة الفاسدة العارية أو شبه العارية محرّمة شرعًا " .
عذر مردود :
قد يقول قائل أشاهد أنا وزوجتي هذه الأفلام من أجل القضاء على الفتور والرتابة في المعاشرة الزوجية .
أقول إن الحكم بتحريم مشاهدة هذه الأفلام إنما يأتي لأنها مبنية على تصورات غير إسلامية للحياة ومقصدها ، والإنسان وموقعه في الكون وعلاقته بجسده ... إلخ حتى ولو كان الغرض ( تنشيط ) الحياة الزوجية ، وفي رأينا أنها مغامرة غير محسوبة قد تؤدّي إلى فتن كثيرة : حين يرى الرجل ( أجساد الممثلات المتخصصات ) أمر آخر أدعو إلى التأمل فيه : وهو مسألة الرتابة والتجديد في العلاقة الجنسية بين الزوجين ، طبعًا نحن لسنا ضد " التجديد والتنشيط " ..إلخ ، لكن أخشى أن الإفراط في هذه النعمة يمكن أن يدفع بنا إلى آفاق بعيدة وصعبة ، فالعلاقة الخاصة بين الزوجين هي قرب وتواصل وتبادل المودة واستشعار السكن ، قال الله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ... } . [ الروم : 21 ] .
إننا بحاجة إلى تجديد وإنعاش الجانب المعنوي والعاطفي في الممارسة الزوجية ، وليس فقط إحسان الأداء في الجانب المادي ، ولن تجد في الأفلام عاطفة لا مودة ولا سكنًا، إنما ستجد المبالغات في العلاقة الجنسية بل هي ألغام في الحقيقة أخشى أن ينفجر أحدها فيك لو دخلت إلى تلك المغامرة .
إن سلوك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم كانوا مصداقاً لهذا ، فالمجتمع الإسلامي الأول كان منفتحاً في هذه الأمور بشكل يفوق تصورات المتأثرين منا بالغرب ، وكان هذا الانفتاح في إطار الحلال ، وما شرعه الله سبحانه ، وكانت أدق أمور المعاشرة الزوجية تناقش في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنزل بها أحياناً توجيهات من فوق سبع سماوات ؛ وذلك لأن الجنس نشاط هام من أنشطة الحياة ، والإسلام جاء ليكون نظاماً شاملاً لكل نواحي الحياة .
إنما حرم الله التكشف ليحفظ عيون المسلمين والمسلمات ، ويصون النفوس من أن ترى أو تتأثر برؤية جسد أجمل ، أو أقل جمالاً مما عندها .
وهكذا فإنه حين يستتر الناس ، وحين يحفظون عيونهم عن النظر في غير موضع حلال فإنهم بذلك يصونون نفوسهم من التقلب والتوتر، وأذهانهم من المقارنات والأحقاد ، فإن كان ما عندهم في أجسادهم وأزواجهم جميلاً حمدوا الله ، وإن كان غير ذلك قالوا : كل الناس مثلنا ، والوضع مختلف لمن تعدى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه ) . [ رواه مسلم والترمذي ] . وفي رواية أخرى : ( إن الذي عندها مثل الذي عندها ) .
أخطاء هذه الآثار ما يلي :
- الإثارة الجنسية والتهيج .
- مع مرور الوقت يُحْدِث بعض التعود الذي يدفع إلى دخول مساحات جديدة متوافرة على الإنترنت ، أو أفلام الفيديو وهناك أكثر من مجرد المشاهدة ، وهذه الأنشطة لها آثار نفسية وجنسية بل ومالية أبعد وأفدح .
ـ مع مرور الوقت تتدرب النفس ، وتتعود الذهنية الجنسية في الإنسان على التلذذ بهذه الممارسة ، واعتبارها طقساً لا غنى عنه في تحقيق الإشباع الجنسي ، بل وهناك حالات متقدمة تصل إلى ذروة الشبق ، من مشاهدة أو محادثة ، أو ممارسة عبر الإنترنت ، والأخطر أن هذه الأمور يمكن أن تكون بديلاً - غير فطري - لقضاء الوطر مما يعوق السبيل الفطري والطبيعي ألا وهو إتيان الزوجة .
ـ هناك حالات مسجلة لأزواج وزوجات انهدمت حياتهم وحياتهن الزوجية ؛ لأن أحدهما أو كلاهما أصبح يفضل " الجنس على الإنترنت أو أفلام الفيديو " على الممارسة الطبيعية الفطرية ، وهناك حالات رآها متخصصون لشباب أحدهم تدمرت أعصابه .
إن كان أعزباً : يصعب أن يجد امرأة تعجبه أو " تملأ عينه ليتزوجها " بعدما رأى وسمع ، واشتهى كل لون , وكل صنف .
وإن كان متزوجا : ينفر من زوجته ، في مقارنة ظالمة ـ وهي الزوجة والأم العادية مثل كل أم ـ مع صور رآها لنساء يعشن لأجسادهن ، ويعشن ويتكسبن بأجسادهن فلا حمل ، ولا ولادة ، ولا عمل في البيت أو خارجه.. فهل " مؤهلات " المرأة الجسدية الشهوانية يمكن أن تقارن بجسد المرأة العادية الإنسانة الطبيعية زوجةً وأماً ؟ ! .
ويتورط الزوج أكثر ـ وبطرق متعددة ـ في العزوف عن هذا الجسد " العادي " ، والبحث عن ذاك الجسد " المثالي " ، وعن تلك الممارسة الخيالية أو التمثيلية التي يراها على الشبكة أو في أفلام الفيديو ، فيكون كالظمآن الذي يترك كوب الماء الذي بين يديه ، ويتطلع إلى سراب يلمع في الأفق .
والبحث عن العلاقات المحرمة والزنا والجري خلف نساء بمواصفات رآها في الأفلام وهي بطبيعة الحال لن يجدها عند زوجته كما ذكرنا مع عزوفه عن الزواج مكتفيا بهذه العلاقة الوهمية
المهلكة .
ـ بالنسبة للملتزمين من الرجال ، والملتزمات من النساء يعقب الدخول إلى هذه المواقع شعور عميق بالذنب ، وتأنيب الضمير؛ ولهذا الشعور آثار كبيرة في المزاج العام للشخص ، وفي أدائه للأعمال المطلوبة منه ، وفي علاقته بالله سبحانه بالطبع بما يعد مدخلاً كبيراً للشيطان ليصطاد في الماء " العكر " .
أُنَبِّه فقط أن إدمان " الصور العارية " ربما يكون أخطر من " مدمني المخدرات " أو " العادة السرية " لأن البعض قد لا يراه حراماً ، وقد لا يراه مضرًّا ، وبالعكس يراه شيئاً ممتعاً وغير ضار ، وبالتالي قلما يتحرك لطلب العلاج ، وإذا تحرك ربما لا يجد نفس التجاوب والتعاطف ممن حوله ، كما يجد مدمن الهيروين أو الكحوليات ، فليس هناك مثلاً مستشفيات لعلاج مدمني " الصور العارية " أو " العادة السرية " .
نوجه نصيحة لمثل هؤلاء :
لا لليأس قال تعالى : { لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } . [ يوسف : 87 ] . صحيح أن الندم توبة ، لكن الاستمرار فيه يعني أحياناً فقدان الأمل ، وفقدان الأمل يعني التوقف عن المحاولة ، بينما لو تعاملنا مع الأمر بحكمة ، وعمق إيمان لعرفنا أن كل الناس يذنب ، وأفضل المذنبين أسرعهم عودة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) . [ أخرجه أحمد 12983 , والترمذي 2499 , وإسناده حسن ] . أي العائدون إلى الله تعالى ، واستمرار المحاولة هو آية الجدية ، وعلامة الصدق مع الله عز وجل ، وهذه الجدية والصدق هي التي تقرب إليه سبحانه ، ومن تقرب إليه شبراً تقرب الله إليه ذراعاً ، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة .. كما في الحديث القدسي والنجاح المحدود والتدرجي بالامتناع عن " النشاط المرضي " هو نعمة تستحق الشكر، وليس خطوة تافهة لنقلل من شأنها ، الله يعرف هذا ويقدره , وينبغي أن نفعل نحن كذلك .
لكن هل امتناعك لفترة يبرر لك الوقوع بعدها ، بالطبع لا ؛ ولكنه يعني أنك أنجزت ، وأنك قادر بعون الله ، والقيام بعد كل وقوع هو المتوقع منك ، وليس الاستسلام للقعود. وينبغي أن تنشغل بما تطمح إليه من أهداف ، وما تحققه من إنجازات أكثر ، بدلاً من التركيز على المشكلة والسقطات .
والله من وراء القصد.. بيده مفاتيح القلوب ومقاليد الأمور ، وهو الشافي للنفوس والأجساد ، أدعوه أن ينظر إلينا نظرة رحمة ، ومن ينظر إليه الله تعالى هكذا لا يشقى أبداً .
والله تعالى أعلم